بازگشت

خطبه


تأسف ابن عباس أشد الأسف لأن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام لم يتم خطبته الشقشقية: في حين أنه سمع منه عليه السلام مئات الخطب و الوصايا، و الحكم؛ و ليت الزمن امتد بابن عباس ليشاهد حياة الأئمة عليهم السلام و ما رافقها من ضيق و اضطهاد، فهم لا يستطيعون أن يتكلموا فضلا من أن يخطبوا، و قد يسمعهم ولاة الجور سب آبائهم من فوق منبر جدهم فلا يستطيعون الرد عليهم، و الانكار في وجوههم.

ان عقيدتي فيما حفظ للأئمة عليهم السلام من أحاديث و تعاليم و سير و فضائل، كان بطريق المعجز، و بعناية من الله سبحانه، و اذا كان أميرالمؤمنين عليه السلام و قد أسر أولياؤه مناقبه خوفا، و كتمها أعداؤه حقدا - كما يقول الشافعي - فما هو الحال في أولاده عليهم السلام.

و مع هذا كله نسجل بعض ما وجدناه من خطب الامام أبي جعفر عليه السلام:

1 - من خطبة له عليه السلام في الشام:

قال الامام الصادق عليه السلام: لما أشخص أبي محمد بن علي الي دمشق سمع الناس يقولون: هذا ابن أبي تراب!! قال: فأسند ظهره الي جدار القبلة ثم حمد الله و أثني عليه، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال: اجتنبوا أهل الشقاق، و ذرية النفاق، و حشو النار، و حصب جهنم عن البدر الزاهر، و البحر الزاخر و الشهاب الثاقب، و شهاب المؤمنين، و الصراط المستقيم، من قبل أن نطمس وجوها فنردها علي أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت و كان أمر الله مفعولا، ثم قال بعد كلام: أبصنو رسول الله تستهزؤون، أم بيعسوب الدين تلمزون؛ و أي سبيل بعده تسلكون، و أي حزن بعده تدفعون؟! هيهات هيهات، برز والله بالسبق، و فاز بالخصل، و استوي علي



[ صفحه 355]



الغاية، و احرز علي الخطاب فانحسرت عنه الأبصار، و خضعت دونه الرقاب، و قرع الذروة العليا، فكذب من رام من نفسه السعي، و أعياه الطلب، فأني لهم التناوش من مكان بعيد..

و قال:



أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم

من اللوم أوسدوا الذي سدوا



أولئك قوم ان بنوا أحسنوا البنا

و ان عاهدوا وفوا و ان عقدوا شدوا



فأني يسد ثلمة أخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ شفعوا، و شقيقه اذ نسبوا، و نديده اذ فشلوا، و ذي قربي كنزها اذ فتحوا، و مصلي القبلتين اذ تحرفوا، و المشهود له بالايمان اذ كفروا، و المداعي لنبذ عهد المشركين اذ نكلوا، و الخليفة علي المهاد ليلة الحصار اذ جزعوا، و المستودع لأسرار ساعة الوداع. الي آخر كلامه [1] .

2 - من خطبه له عليه السلام في الشام:

لما حمل أبوجعفر الي الشام الي هشام بن عبدالملك و صار ببابه، قال هشام لأصحابه: اذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبوجعفر قال بيده: السلام عليكم، فعمهم بالسلام جميعا ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة و جلوسه بغير اذن، فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين، و دعا الي نفسه، و زعم أنه الامام سفها و قلة علم، و جعل يوبخه، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه. فلما سكت القوم نهض قائما، ثم قال: أيها الناس أين تذهبون و أين يراد بكم، بنا هدي الله أولكم، و بنا ختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا، و ليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عزوجل: «والعاقبة للمتقين» فأمر به الي الحبس، فلم يبق في الحبس رجل الا ترشفه [2] و حسن عليه، فجاء صاحب الحبس الي هشام و أخبره بخبره، فأمر به فحمل علي البريد هو و أصحابه يردوا الي المدينة [3] .



[ صفحه 356]




پاورقي

[1] المناقب: 2 / 29، بحارالأنوار: 11 / 91.

[2] كناية عن القيام بخدمته.

[3] المناقب: 2 / 28، أصول الكافي: 1 / 471.