وصاياه
من أنفس ما تركه الأئمة عليهم السلام للمسلمين هو وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالتوجيه و الأخلاق و الحكم و المعارف و الآداب، فلم يعرف التاريخ الاسلامي مثل هذه الوصايا لمن سبقهم أو تأخر عنهم من العلماء و الحكماء و الفلاسفة و المفكرين، و ما ذلك الا لحرصهم علي توجيه المجتمع، و اصلاح الأمة، و بث الأخلاق بين الناس، و ليس هذا بكثير عليهم، فهم يعتبرون أنفسهم - كما يقول الأستاذ عبدالقادر أحمد اليوسف - هم المكلفون بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بنشر الاسلام، و المحافظة علي السنن و الشرائع المحمدية، و لعلي أوفق لاخراج ما وصل الي من هذه الوصايا في كتاب مستقل، أسد به فراغا في المكتبة الأخلاقية.
نسجل بعض ما ورد من وصاياه عليه السلام:
1 - من وصية له عليه السلام لعمر بن عبدالعزيز:
دخل أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين علي عمر بن العزيز، فقال عمر: يا أباجعفر أوصني.
قال: أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا، و أوسطهم أخا، و كبيرهم أبا، فارحم ولدك، وصل أخاك، و بر أباك، و اذا صنعت معروفا فربه، أي: (أدمه) [1] .
2 - من وصيته عليه السلام أوصي بها جابر بن يزيد الجعفي:
[ صفحه 357]
عن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر انه من دخل قلبه صافي دين الله اشغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا و ما عسي أن تكون، هل هي الا ثوب لبسته، أو لقمة أكلتها، أو مركب ركبته، أو امرأة أصبتها.
يا جابر: ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا لبقاء فيها، و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، و لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، و لم يعمهم من نور الله ما رؤا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار، ان أهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤونة، و أكثرهم لك معونة، ان نسيت ذكروك، و ان ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله [2] .
3 - من وصية له عليه السلام لعمر بن عبدالعزيز:
لما دخل المدينة عمر بن عبدالعزيز قال مناديه: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر، فأتاه أبوجعفر عليه السلام فلما رآه استقبله و أقعده مقعده، فقال عليه السلام: انما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم و ما يضرهم، و كم قوم ابتاعوا ما ضرهم فلم يصبحوا حتي أتاهم الموت، فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم، و صاروا الي من لا يعذرهم، فنحن والله حقيقون أن ننظر الي تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها، فكف عنها واتق الله، واجعل في نفسك اثنتين: انظر الي ما تحب أن يكون معك اذا قدمت علي ربك فقدمه بين يديك، و انظر الي ما تكره أن يكون معك اذا قدمت علي ربك فارمه ورائك، و لا ترغبن في سلعة بارت علي من كان قبلك فترجو أن يجوز عنك، و افتح الأبواب، و سهل الحجاب، و أنصف المظلوم، و رد الظالم [3] .
4 - من وصية له عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي:
يا جابر: أنزل الدنيا كمنزل نزلت به و ارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شي ء؛ انما هي مع أهل اللب و العالمين بالله تعالي كفي ء
[ صفحه 358]
الظلال فاحفظ ما استرعاك الله تعالي من دينه و حكمته [4] .
5 - من وصية له عليه السلام:
عليكم بالورع و الاجتهاد، و صدق الحديث، و أداء الأمانة الي من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا، فلو أن قاتل علي بن أبي طالب ائتمنني علي أمانة لأديتها اليه [5] .
6 - من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه:
قم بالحق، و اعتزل ما لا يعنيك، و تجنب عدوك، و احذر صديقك من الأقوام الا الأمين من خشي الله، و لا تصحب الفاجر، و لا تطلعه علي سرك، و استشر في أمرك الذين يخشون الله [6] .
7 - من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه:
قال جابر: دخلنا علي أبي جعفر عليه السلام و نحن جماعة بعدما قضينا نسكنا فودعناه و قلنا له: أوصنا يا ابن رسول الله.
فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، و ليعطف غنيكم علي فقيركم، و لينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، و اكتموا أسرارنا، و لا تحملوا الناس علي أعناقنا، و انظروا أمرنا و ما جاءكم عنا، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، و ان لم تجدوه موافقا فردوه، و ان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده و ردوه الينا حتي نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فاذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا الي غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، و ان أدرك قائمنا فقتل معه، كان له أجر شهيدين، و من قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا [7] .
8 - من وصية له عليه السلام أوصي بها بني هاشم:
و اجتمع عنده ناس من بني هاشم فقال عليه السلام: اتقوا الله شيعة آل محمد،
[ صفحه 359]
و كونوا النمرقة الوسطي يرجع اليكم الغالي و يلحق بكم التالي.
قالوا له: و ما الغالي؟
قال: الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا.
قالوا: فما التالي؟
قال: الذي يطلب الخير فيزيد به خيرا، والله ما بيننا و بين الله قرابة، و لا لنا علي الله من حجة، و لا نتقرب اليه الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله، يعمل بطاعته، نفعته ولايتنا أهل البيت، و من كان منكم عاصيا لله، يعمل معاصيه لم تنفعه ولايتنا، و يحكم لا تغتروا، ثلاثا. أي قال هذه الكلمة ثلاثا [8] .
9 - من وصية له عليه السلام أوصي بها بعض أولاده:
يا بني اذا أنعم الله عليك بنعمة فقل: الحمد لله، و اذا أحزنك أمر فقل: لا حول و لا قوة الا بالله، و اذا أبطأ عنك رزق فقل: استغفر الله [9] .
10 - من وصية له عليه السلام أوصي بها شيعته في الحث علي طلب العلم:
تعلموا العلم، فان تعلمه حسنة، و طلبه عبادة، و المذاكرة له تسبيح، و البحث عنه جهاد، و تعليمه صدقة، و بذله لأهله قربة، و العلم ثمار الجنة، و أنس في الوحشة، و صاحب في الغربة، و رفيق في الخلوة، و دليل علي السراء، وعون علي الضراء، و دين عند الاخلاء، و سلاح عند الأعداء، يرفع الله به قوما فيجعلهم في الخير سادة، و للناس أئمة يقتدي بفعالهم، و يقتص آثارهم، و يصلي عليهم كل رطب و يابس، و حيتان البحر و هوامه، و سبع البر و أنعامه [10] .
[ صفحه 360]
پاورقي
[1] المدخل الي موسوعة العتبات المقدسة، 202.
[2] تذكرة الخواص: 191.
[3] المناقب: 2 / 293، بحارالأنوار: 11 / 94، الخصال: 105.
[4] حلية الأولياء: 3 / 187.
[5] أعيان الشيعة 4 ق، 2 / 74.
[6] تحف العقول: 213.
[7] بحارالأنوار: 166 - 17.
[8] بحارالأنوار: 17 / 168-167.
[9] المصدر نفسه.
[10] بحارالأنوار: 17 / 168.