بازگشت

تعدد الشموس و الأقمار


أئمتنا عليهم السلام سبقوا الزمن بعلومهم و معارفهم، و فاقوا المتأخرين في اكتشافاتهم، و امتازوا عن غيرهم باحاطتهم بكل طارف و تليد من العلوم و الفنون، فكانوا عليهم السلام ينثرون علي تلامذتهم كلمات تعتبر اليوم أسس العلوم الحديثة، و خلاصة ما توصل اليه العلماء بمختبراتهم و أجهزتهم.

و لو اطلع هؤلاء العلماء و المكتشفون علي هذه الكلمات الصادرة من الأئمة عليهم السلام من قبل ثلاثة عشر قرنا، و في وقت تنعدم فيه الآلات و الأجهزة، لكانوا أسرع الناس بهم ايمانا، و أشد الخلائق لهم حبا، و اذا كان الاسلام محجوب بالمسلمين - كما يقول علماء الغرب - فالأئمة عليهم السلام محجوبون بشيعتهم، لعدم نشرهم لعلومهم، و أعطاء العالم صورة صادقة عنهم.

أقدم في هذا الفصل حديثا للامام عليهم السلام ذكره الشيخ الأقدم محمد بن الحسن الصفار المتوفي 290 ه، و السيد هاشم البحراني المتوفي 1107 ه في تفسيره البرهان.

عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر قال: ان من وراء شمسكم هذه أربعون عين شمس، ما بين عين شمس الي عين شمس أربعون عاما، فيها خلق كثير، ما يعملون أن الله خلق آدم، أو لم يخلقه، و ان من وراء قمركم هذا أربعون قرصا، بين القرص الي القرص أربعون عاما فيها خلق كثير، لا يعلمون أن الله عزوجل خلق آدم أو لم يخلقه، قد ألهموا كما ألهمت النحلة [1] .

قال السيد هبة الدين الشهرستاني رحمه الله بعدما أورد هذا الخبر و غيره من



[ صفحه 366]



الأخبار المماثلة: و الحاصل أن المتقدمين مطلقا لم يذهب منهم ذاهب الي تعدد الشموس، و لا الي جواز كثرتها، الي هذه العصور الأخيرة التي تكاملت فيها الهيئة المستحدثة، و استكشف علماؤها كثرة الشموس من طرق قويمة حادثة، من أدوات حل النور و النظارات و نحوها، بل اكتشفوا درجات أنوار الثوابت و ما فيها من الأجزاء المنيرة، و العناصر المثيرة للنور، و قاسوا أبعادها و مقادير كراتها، فأنتجت آراءهم أن الكواكب الثابتة هي بأسرها شموس منيرة بذاتها، حامية بنفسها، سابحة في أعماق الفضاء الواسع سبحا، و لا نحده من كثرة البعد الشاسع، و ليس شي ء منها منوطا بعالمنا، و لا مربوطا بنظام شمسنا، و لكل واحد منها نظام خاص و عالم مخصوص، مؤلف من أراض سيارة، و أقمار دوارة و هي في مركز نظامها كشمسنا في عالمنا، و لا زالت هذه الآراء في نمو و انتشار، حتي أصبح اليوم تعدد الشموس كالشمس وسط النهار.

و أما الشريعة الاسلامية، فقد سبقت المتأخرين طرا في اظهار هذا الرأي الجليل بأكثر من ألف سنة، فأظهرت في موارد عديدة تعدد الشموس و الأقمار في عالم الوجود بالتلويح تارة و بالتصريح أخري.

و قال رحمه الله في ختام بحثه هذا: فهذه يا اخواني ناصية الأرض قد ابيضت و شابت بكرور الأعصار، حتي استولدت مبادي ء و مباني و أدوات أنتجت هذه الأفكار الأبكار، و أصبحت ملل الغرب تفتخر بكشفها، و أضحي أبناء الشرق يفتخرون بأخذها و نشرها. فانظروا الي أوصياء النبي عليهم الصلاة والسلام كيف فاهوا بها و ذكروها في غابر الدهور، و ماضي العصور، حيث لا عين و لا أثر من هذه المباني، و لا خطر علي قلب بشر بعض هذه المعاني، و مع هذا كله لم يمنحوا عليهم السلام هذه الأسرار أهمية، و لا أورثت فيهم اعجابا، بل كانوا يهتمون و يستعظمون المعارف الالهية، و رعاية النواميس الشرعية، و يحرضون الناس علي اصلاح مملكة النفس، و تكميل كمالاتها و ملكاتها، و العمل لما بعد الموت، فانه مفترس كل نفس باليقين، فالفوز لمن استيقظ عقله، و اكتسب النعيم الدائم [2] .



[ صفحه 367]




پاورقي

[1] بصائر الدرجات. البرهان في تفسير القرآن: 1 / 47.

[2] الهيئة و الاسلام، 236.