اجوبته
من عقائدنا في النبي صلي الله عليه و آله و سلم قدرته علي اتيان المعاجز، دليلا علي النبوة، و تثبيتا للعقيدة، وحدا فيصلا بين الصدق و الكذب، و جل من ترجم للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام ذكر لهم معاجز و كرامات كثيرة، شاهدها لهم من صحبهم من الثقات، و قد أعرضت في كتابتي عن ذكر ما ورد لهم عليهم السلام من المعاجز ايمانا مني بأن كل حياتهم صلوات الله عليهم معاجز، و كل كلامهم براهين، و عندي أن المعجزة تتجلي في أروع صورها، و أسمي معانيها في أجوبتهم عليهم السلام، فهي تشتمل علي صنوف من العلوم و الفنون و المعارف، بما لا يتوصل اليه غيرهم مع أنهم أجابوا عنها بالبديهة، و فصلوا أجوبتها باللحظة.
نورد بعض ما ورد من أجوبة الامام الباقر عليه السلام:
1 - سأله الأبرش: عن قوله تعالي: «يوم تبدل الأرض غير الأرض» ما الذي يأكل الناس و يشربون الي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟
فقال عليه السلام: يحشر الناس علي مثل قرصة الأرض فيها أنهار متفجرة، يأكلون و يشربون حتي يفرغ من الحساب.
قال هشام - الخليفة الأموي - قل له: ما أشغلهم عن الأكل و الشرب؟
فقال عليه السلام: هم في النار اشغل و لم يشغلوا حتي أن قالوا: «أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله» [1] .
[ صفحه 368]
2 - أوصي رجل بألف درهم للكعبة، فجاء الوصي الي مكة، و سأل: فدلوه الي بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر، فقالوا له: برئت ذمتك ادفعه الينا، فقال الناس: سل أباجعفر، فسأله: فقال: ان الكعبة غنية عن هذا انظر الي من زار هذا البيت فقطع به، أو ذهبت نفقته أو ظلت راحلته، أو عجز أن يرجع الي أهله فادفعها الي هؤلاء [2] .
3 - قيل له: كيف أصبحت؟
قال: أصبحنا غرقي في النعمة موفورين بالذنوب، يتحبب الينا الهنا بالنعم و نتمقت اليه بالمعاصي، و نحن نفتقر اليه و هو غني عنا [3] .
4 - قيل له ما الموت؟
فقال: هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة الا أنه طويل مدته [4] .
5 - قيل له: من أعظم الناس قدرا.
فقال عليه السلام: من لم ير الدنيا لنفسه قدرا.
و سئل مرة أخري بهذا السؤال.
فقال: من لم يبال في يد من كانت الدنيا [5] .
6 - سأله محمد بن مسلم: لم جعل البينة في النكاح؟
فقال عليه السلام: من أجل المواريث [6] .
7 - سئل عليه السلام عن آدم حيث حج بم حلق رأسه، و من حلقه؟
فقال: نزل جبرئيل عليه بياقوتة من الجنة فأمرها علي رأسه فتناثر شعره [7] .
8 - سئل عن غسل الميت و الصلاة عليه و غسل غاسله؟
[ صفحه 369]
فقال عليه السلام: يغسل الميت لأنه يخبث، لتلاقيه الملائكة و هم طاهرون، فكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنون. و علة الصلاة عليه ليشفع له، و ليطلب الله فيه [8] .
9 - سئل عن تكبير صلاة الميت؟
فقال: أخذت الخمس من الخمس صلوات، من كل صلاة تكبيرة [9] .
10 - سئل عليه السلام عن امرأة ضربها الطلق فما زالت تطلق حتي ماتت والولد يتحرك في بطنها، و يذهب و يجي ء.
فقال عليه السلام: يشق بطن الميت و يستخرج الولد [10] .
11 - سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالي: «وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون» من الذي يسأل محمد و كان بينه و بين عيسي خمسمائة سنة.
فقرأ أبوجعفر: «سبحان الذي أسري بعبده ليلا» ثم ذكر اجتماعه صلي الله عليه و آله و سلم بالمرسلين، و الصلاة بهم [11] .
12 - كان عبدالله بن نافع بن الأزرق يقول: لو عرفت أن بين قطريها أحدا تبلغني اليه الابل يخصمني بأن عليا قتل أهل النهروان و هو غير ظالم لرحلتها اليه.
قيل له: ائت محمد الباقر، فأتاه فسأله.
فقال عليه السلام بعد كلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته، و اختصنا بولايته، يا معشر أولاد المهاجرين و الأنصار من كان عنده منقبة في أميرالمؤمنين فليقم فليحدث.
فقاموا و نشروا من مناقبه، فلما انتهوا الي قوله: لأعطين الراية. الخبر، سأله أبوجعفر عن صحته.
فقال: هو حق، و لكن عليا أحدث الكفر بعد.
[ صفحه 370]
فقال أبوجعفر: أخبرني عن الله أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه و هو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ ان قلت لا كفرت.
فقال: قد علم.
قال: فأحبه علي أن يعمل بطاعته أو علي أن يعمل بمعصيته؟
قال: علي أن يعمل بطاعته.
فقال أبوجعفر: قم مخصوما.
فقام و هو يقول: «حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود» و الله أعلم حيث يجعل رسالته [12] .
13 - سأله طاووس اليماني: أخبرني عن أول كذبة كذبت من صاحبها؟
فقال عليه السلام: ابليس حين قال: «أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين».
قال: أخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق و كانوا كاذبين؟
فقال عليه السلام: المنافقون حين قالوا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «نشهد انك لرسول الله» فأنزل الله عزوجل في القرآن «اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون».
قال: أخبرني عن طائر طار مرة و لم يطر قبلها و لا بعدها، ذكره الله عزوجل في القرآن ما هو؟
فقال عليه السلام: طور سيناء، اطاره الله عزوجل علي بني اسرائيل حتي أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتي قبلوا التوراة و ذلك قوله عزوجل: «و اذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم».
قال: فأخبرني عن رسول بعثه الله ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة، ذكره الله عزوجل في كتابه؟
فقال عليه السلام: الغراب حين بعثه الله عزوجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه
[ صفحه 371]
هابيل حين قتله. قال الله عزوجل: «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه».
قال: أخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة ذكره الله تعالي في كتابه؟
فقال عليه السلام: النملة حين قالت: «يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون».
قال: فأخبرني عمن كذب عليه ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة ذكره الله عزوجل في كتابه؟
فقال عليه السلام: الذئب الذي كذب عليه أخوة يوسف.
قال: فأخبرني عن شي ء قليله حلال و كثيره حرام، ذكره الله عزوجل في كتابه؟ فقال عليه السلام: نهر طالوت، قال الله عزوجل: «الا من اغترف غرفة بيده».
قال: فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلي بغير وضوء، و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟
فقال عليه السلام: أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة علي النبي و آله عليهم السلام، و أما الصوم فقوله عزوجل: «اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا».
قال: فأخبرني عن شي ء يزيد و ينقص، و عن شي ء يزيد و لا ينقص، و عن شي ء ينقص و لا يزيد؟
فقال عليه السلام: أما الشي ء الذي يزيد و ينقص فهو القمر، و الشي ء الذي يزيد و لا ينقص فهو البحر، و الشي ء الذي ينقص و لا يزيد فهو العمر [13] .
14 - أقبل أبوجعفر عليه السلام في المسجد الحرام فنظر اليه قوم من قريش فقالوا: من هذا؟
[ صفحه 372]
فقيل لهم امام أهل العراق.
فقال بعضهم: لو بعثتم اليه بعضكم فسأله، فأتاه شاب منهم فقال له: يا عم أكبر الكبائر؟
فقال عليه السلام: شرب الخمر.
فأتاهم فأخبرهم، فقالوا له: عد اليه، فعاد اليه.
فقال له: ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر، ان شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا و السرقة و قتل النفس التي حرم الله عزوجل، و الشرك بالله عزوجل، و أفاعيل الخمر تعلو علي كل ذنب، كما تعلو شجرها علي كل الشجر [14] .
15 - سأله عالم النصاري في الشام: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون و يشربون و لا يحدثون؟
فقال عليه السلام: ان الجنين في بطن أمه يطعم و لا يحدث.
فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة غضة طرية موجودة عند جميع أهل الجنة؟
فقال عليه السلام: ان ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا عند جميع أهل الدنيا.
قال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار.
فقال عليه السلام: هي الساعة التي بين طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلي، و يرقد الساهر، و يفيق المغمي عليه.
قال: أسألك عن مولودين ولدا في يوم واحد و ماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون سنة و الآخر مائة و خمسون سنة في دار الدنيا؟
فقال عليه السلام: عزير و عزيرة، ولدا في يوم واحد فلما بلغا خمسا و عشرين سنة مر عزير علي حماره بقرية أنطاكية و هي خاوية علي عروشها فقال: «أني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام» ثم بعثه فمشي الي دار عزيرة أخيه و هو لا يعرفه، فاستضافه فأضافه، و أولاد أولاد عزيرة قد شاخوا، و عزير شاب في سن خمس
[ صفحه 373]
و عشرين سنة، فلم يزل يذكر أخاه و ولده و هم يذكرون ما يذكرهم و يقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور، و يقول عزيرة و هو ابن مائة و خمس و عشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمس و عشرين سنة أعلم بما كان بيني و بين أخي عزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟
فقال له: أنا عزير، سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني و هداني، فأماتني مائة سنة، ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا ان الله علي كل شي ء قدير، و هذا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله لي كما كان، فعندها أيقنوا. فأعاشه الله بينهم خمسا و عشرين سنة، ثم قبضه الله و أخاه في يوم واحد، فكان عمره خمسين سنة، و عمر أخيه مائة و خمسين.
فقال عالم النصاري لأصحابه: جئتموني بأعلم مني حتي فضحني، و الله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة [15] .
16 - أتي رجل من الخوارج أباجعفر عليه السلام فقال له: يا أباجعفر أي شي ء تعبد؟
قال: الله.
قال: هل رأيته؟
فقال عليه السلام: لم تره العيون بمشاهدة العيان، و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس، و لا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات لا يجور في حكمه، ذلك الله الذي لا اله الا هو.
فقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته [16] .
17 - سئل عليه السلام: لم فرض الله الصوم علي عباده؟
فقال عليه السلام: ليجد الغني مس الجوع فيحنو علي الضعيف [17] .
18 - سئل عليه السلام: عن الحديث يرسله و لا يسنده.
[ صفحه 374]
فقال: اذا حدثت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله عزوجل [18] .
19 - سئل عليه السلام: فما النجاة غدا؟
قال: انما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فانه من يخادع الله يخدعه، و يخلع الله منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر.
قيل له: كيف يخادع الله؟!
فقال: يعمل بما أمر الله عزوجل به، ثم يريد به غيره فاتقوا الله و الرياء فانه شرك بالله عزوجل، ان المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، و لا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له [19] .
20 - سأله طاووس: متي هلك ثلث الناس؟
فقال عليه السلام: يا أباعبدالرحمن لم يمت ثلث الناس قط، يا شيخ أردت أن تقول: متي هلك ربع الناس، و ذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة: آدم وحواء و هابيل و قابيل، فهلك ربعهم.
قال: فأيهما كان أبا للناس، القاتل أو المقتول؟
قال: لا واحد منهما أبوهم شيث [20] .
21 - قال جابر بن يزيد الجعفي سألته عن معني «لا حول و لا قوة الا بالله». قال: معناه لا حول لنا عن معصية الله الا بعون الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله علي طاعة الله الا بتوفيق الله عزوجل [21] .
[ صفحه 375]
پاورقي
[1] كشف الغمة، 213.
[2] المناقب: 2 / 287.
[3] بحارالأنوار: 11 / 87.
[4] الآخرة و العقل لمغنية، 136.
[5] بحارالأنوار: 17 / 168.
[6] المناقب: 2 / 291.
[7] المناقب: 2 / 291.
[8] المناقب: 2 / 291.
[9] المصدر نفسه.
[10] المناقب: 2 / 888.
[11] المناقب: 2 / 289.
[12] المناقب: 2 / 289.
[13] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 42.
[14] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 43.
[15] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 46.
[16] التوحيد، 108.
[17] كشف الغمة، 221.
[18] اعلام الوري، 264.
[19] تفسير البرهان: 1 / 60.
[20] المناقب: 2 / 288.
[21] التوحيد، 242.