بازگشت

تعليمه عبدالملك علي سك الدراهم و الدنانير


أجمع رجال التاريخ و السير علي أن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام بقي في عهد من تقدمه من الخلفاء المفزع للمهمات، و الملجأ عند الشدائد، فكم من مرة ترد علي من سبقه معضلة يعجز عنها و يعجز عنها المسلمون، فيصيرون اليه فيكشفها عنهم، و قد ذكر المؤرخون و أهل السير و التراجم كلمات عمر بن الخطاب في ذلك، كقوله: «لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب» و «لولا علي لهلك عمر» و «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبوالحسن» و قد ألف جماعة من العلماء كتبا في أقضيته عليه السلام، و ما حله من مشاكل وردت علي من تقدمه، و بقي أبناءه عليهم السلام المفزع و الملجأ لما يرد علي حكام زمانهم من مشاكل و معضلات يعجزون عنها، و لا يهتدون لحلها، فيرجعون بها اليهم، و يستسلمون عندها لأمرهم.

نذكر في هذه الصفحات حادثة وقعت لعبد الملك بن مروان، و رجوعه الي الامام عليه السلام فيها، و امتثاله بما أشار به عليه.

قال الكسائي: دخلت علي الرشيد ذات يوم و هو في ايوانه، و بين يديه مال كثير، قد شق عنه البدر شقا، و أمر بتفريقه في خدم الخاصة، و بيده درهم تلوح كتابته، و هو يتأمله و كان كثيرا ما يحدثني.

فقال: هل علمت من أول سن هذه الكتابة في الذهب و الفضة؟

قلت: يا سيدي هذا عبدالملك بن مروان.

قال: فما كان السبب في ذلك؟

قلت: لا علم لي في غير أنه أول من أحدث هذه الكتابة.



[ صفحه 381]



قال: سأخبرك: كانت القراطيس للروم، و كان أكثر من بمصر نصرانيا علي دين الملك، ملك الروم، و كانت تطرز بالرومية، و كان طرازها: أبا و ابنا و روحا قديسا، فلم يزل كذلك صدر الاسلام كله يمضي علي ما كان عليه، الي أن ملك عبدالملك فتنبه عليه، و كان فطنا، فبينا هو ذات يوم اذ مر به قرطاس فنظر الي طرازه، فأمر أن يترجم بالعربية، ففعل ذلك فأنكره، و قال: ما أغلظ هذا في أمر الدين و الاسلام، أن يكون طراز القراطيس و هي تحمل في الأواني و الثياب، و هما يعملان بمصر و غير ذلك مما يطرز من ستور و غيرها من عمل هذا البلد علي سعته، و كثرة ماله و أهله، تخرج منهم هذه القراطيس فتدور في الآفاق و البلاد و قد طرزت بشرك مثبت عليها فأمر بالكتابة الي عبدالعزيز بن مروان، و كان عامله بمصر، بأبطال ذلك الطراز علي ما كان يطرز به من ثوب و قرطاس و ستر و غير ذلك، و أن يأخذ صناع القراطيس بتطريزها بسورة التوحيد و «شهد الله أنه لا اله الا هو» و هذا طراز القراطيس خاصة الي هذا الوقت لم ينقص و لم يزد و لم يتغير، و كتب الي عمال الآفاق جميعا بابطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، و معاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شي ء منها بالضرب الوجيع، و الحبس الطويل، فلما أثبت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد و حمل الي بلاد الروم منها، انتشر خبرها، و وصل الي ملكهم فترجم له ذلك الطراز فأنكره و غلظ عليه فاستشاط غضبا و كتب الي عبدالملك ان عمل القراطيس بمصر و سائر ما يطرز هناك للروم، و لم يزل يطرز بطراز الروم الي أن أبطلته، فان كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، و ان كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختبر من هاتين الخلتين أيهما شئت و أحببت، و قد بعثت اليك بهدية تشبه محلك، و أحببت أن تجعل رد ذلك الطراز الي ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الاعلاق، حاجة أشكرك عليها، و تأمر بقبض الهدية، و كانت عظيمة القدر، فلما قرأ عبدالملك كتابه رد الرسول، و أعلمه أن لا جواب له، و لم يقبل الهدية.

فانصرف بها الي صاحبه، فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول الي عبدالملك و قال: اني ظننتك استقللت الهدية فلم تقبلها، ولم تجبني عن كتابي، فأضعفت لك الهدية، و أنا أرغب اليك في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز الي ما كان عليه أولا.



[ صفحه 382]



فقرأ عبدالملك الكتاب و لم يجبه، ورد الهدية.

فكتب اليه ملك الروم يقتضي أجوبة كتبه، و يقول: انك قد استخففت بجوابي و هديتي، و لم تسعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها، فجريت علي سبيلك الأول، و قد أضعفتها ثالثة، و أنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز الي ما كان عليه أو لآمرن بنقش الدنانير و الدراهم، فانك تعلم أنه لا ينقش شي ء منها الا ما ينقش في بلادي، - و لم تكن الدراهم و الدنانير نقشت في الاسلام - فينقش عليها من شتم نبيك ما اذا قرأته ارفض جبينك له عرقا، فأحب أن تقبل هديتي، و ترد الطراز الي ما كان عليه، و تجعل ذلك هدية بررتني بها، و تبقي علي الحال بيني و بينك.

فلما قرأ عبدالملك الكتاب غلظ عليه، و ضاقت به الأرض، و قال: احسبني أشأم مولود ولد في الاسلام، لأني جنيت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من شتم هذا الكافر ما يبقي غابر الدهر، و لا يمكن محوه من جميع مملكة العرب، اذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم و دراهمهم.

و جمع أهل الاسلام و استشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به.

فقال له روح بن زنباغ: انك لتعلم الرأي و المخرج من هذا الأمر و لكنك تتعمد تركه.

فقال: ويحك من؟

قال: الباقر من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

قال: صدقت، و لكنه ارتج علي الرأي فيه، فكتب الي عامله بالمدينة: أن أشخص الي محمد بن علي بن الحسين مكرما، و متعه بمائتي ألف درهم لجهازه، و بثلاثمائة ألف درهم لنفقته، و أزح علته في جهازه و جهاز من يخرج معه من أصحابه، و احتبس الرسول قبله الي موافاته عليه، فلما وافي أخبره الخبر.

فقال له الباقر: لا يعظمن هذا عليك، فانه ليس بشي ء من جهتين:

أحدهما: ان الله جل و عز لم يكن ليطلق ما يهددك صاحب الروم في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.



[ صفحه 383]



و الأخري: وجود الحيلة فيه.

قال: و ما هي؟

قال: تدعو في هذه الساعة بصناع يضربون بين يديك سككا للدراهم و الدنانير، و تجعل النقش عليها سورة التوحيد و ذكر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أحدهما في وجه الدرهم و الدينار، و الآخر في الوجه الثاني، و تجعل في مدار الدرهم و الدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه، و السنة التي تضرب فيها تلك الدراهم و الدنانير، و تعمد الي وزن ثلاثين درهما عددا من الثلاثة الأصناف التي العشرة منها عشرة مثاقيل، و عشرة منها وزن ستة مثاقيل و عشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فتكون أوزانها جميعا واحدا و عشرين مثقالا، فتجزؤها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل و تصب سنجات من قوارير لا تستحيل الي زيادة و لا نقصان، فتضرب الدراهم علي وزن عشرة، و الدنانير علي وزن سبعة مثاقيل، و كانت الدراهم في ذلك الوقت انما هي الكسروية، التي يقال لها اليوم البغيلية، لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكه كسروية في الاسلام، مكتوب عليها صورة الملك، و تحت الكرسي مكتوب بالفارسية (نوش خر) أي كل هنيئا، و كان وزن الدرهم منها قبل الاسلام مثقالا، و الدراهم التي كانت وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل، و العشرة وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف و الثقال، و نقشها نقش فارس.

ففعل عبدالملك ذلك، و أمره محمد بن علي بن الحسين أن يكتب السكك في جميع بلدان الاسلام، و أن يتقدم الي الناس في التعامل بها، و أن يتهددوا بقتل من يتعامل بغير هذه السكك من الدراهم و الدنانير و غيرها، و أن تبطل و ترد الي مواضع العمل حتي تعاد علي السكك الاسلامية.

ففعل عبدالملك ذلك، ورد رسول ملك الروم اليه يعلمه بذلك.

و يقول: ان الله جل و عز مانعك مما قدرت أن تفعله، و قد تقدمت الي عمالي في أقطار الأرض بكذا، و بابطال السكك و الطراز الرومية.

فقيل لملك الروم: افعل ما كنت تهددت به ملك العرب.



[ صفحه 384]



فقال: انما أردت أن أغيظه بما كتبت به اليه، لأني كنت قادرا عليه، و المال و غيره برسوم الروم فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الاسلام.

و امتنع من الذي قال، و ثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين الي اليوم. قال: ثم رمي بالدرهم الي بعض الخدم و قال: علي بالخازن الخ [1] .



[ صفحه 385]




پاورقي

[1] المحاسن و المساوي ء للبيهقي: 2 / 129.