بازگشت

تمهيد


كانت أوضاع فلسطين لم تزل علي شدتها، فالعدو الصهيوني قد كشر عن أنيابه و أبان حقيقة و حشيته و نواياه، و هو و ان أخفي شيئا منها قبل هذا الحين، الا أنه واضح الصورة لدي الأمة العربية، و أخص بالذكر شعوبها و بعض قياداتها، و كل ما كان يسعي اليه من اخفاء للحقيقة، و مهما انتهج نهجه خونة هذه الأمة و سراق خيراتها، فحيقته واضحة للعيان لدي الصغير من العرب قبل كبيرهم، و يكفينا لكي نحكم علي خبث الصهيونية و عداوتها أن نستذكر ما ورد في كتاب الله العزيز في قوله تعالي:

(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم و الله يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم (105)) [1] .

و قوله تعالي: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتي يأتي الله بأمره ان الله علي كل شي ء قدير (109)) [2] .



[ صفحه 122]



و قوله تعالي: (ودت طآئفة من أهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون الآ أنفسهم و ما يشعرون (69)) [3] .

و قوله تعالي: (و قالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل علي الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون (72)) [4] .

و قوله تعالي: (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون (118)) [5] .

و قوله تعالي: (هأنتم أولآء تحبونهم و لا يحبونكم و تؤمنون بالكتاب كله و اذا لقوكم قالوا ءامنا و اذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور (119)) [6] .

و قوله تعالي: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله و غضب عليه و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت أولئك شر مكانا و أضل عن سوآء السبيل (60)) [7] .

و قبلها قال الله تعالي: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منآ الآ أن ءامنا بالله و مآ أنزل الينا و مآ أنزل من قبل و أن أكثركم فاسقون (59)) [8] .

و قال الله تعالي: (- لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا و لتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين



[ صفحه 123]



قالوا انا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون (82)) [9] .

و قال الله تعالي: (- ألم تر الي الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم و لا نطيع فيكم أحدا أبدا و ان قوتلتم لننصرنكم والله يشهد انهم لكاذبون (11)) [10] .

تري أبعد كل ما ورد في كتاب الله العزيز نرجوا خيرا في الصهيونية و من وقف معها و في صفها ضد العرب و المسلمين، فان كانت آيات الله تعالي لم تنفع الذين ذلوا أنفسهم ارضاء للصهيونية و الاستعمار فماذا ينفعهم اذا غير الاستئصال من الجذور.

لقد امتدح العقلاء و الحكماء الصمت الا في قول المعروف و الاصلاح، و صمت هؤلاء أي صفة تكون مناسبة له؟ غير أن يكون صمت ذل و تبعية ان لم يكن ردة و خيانة.

الي متي نبقي بهذا الصمت و قد بلغ السيل الزبا، و ها هو الآن ينذر بالطوفان، و أي شي ء يثير نخوتنا و عزتنا بعد كل الذي جري، فهم لم يكتفوا بسلبنا الخيرات و الأرض و العتبات المقدسة، بل راحوا يتدخلون بالكيفية التي نعلم بها أبناءنا تعاليم و شرائع ديننا، و كيف نجعل منهم مرتبطين بدينهم و أرضهم و مقدساتهم، و محافظين علي خيراتهم التي وهبها الله لهم، من الضياع و السلب و السرقة، و كيف يجب أن نجند كل طاقاتنا و خيراتنا لخدمة ما يؤول اليه نفعنا و مصلحتنا الوطنية و القومية و الدينية.



[ صفحه 124]



تري ألم يكن الوقت قد حان لتأديب المتطاولين علي العروبة و الاسلام، أما آن لنا أن نعلم العالم أن للعرب و المسلمين أهدافهم و أمانيهم العادلة، و أنها يجب أن تحترم وتصان، لم يعتد المسلمون علي أحد مهما كان معتقده الا أن يتجرأ أو يبدأ بالاعتداء هو علي حقوقنا أولا، منذ أن وجد الاسلام الي يومنا هذا، فما بال العرب الآن و الاعتداء عليهم سافر و صريح؟ أتراهم هان عليهم الذل و هم من كانوا عنوانا للشموخ و العزة؟

أنا أعرف أن العرب لا يرضون بالذل حتي و ان كان الثمن هو الحياة و ما فيها، الا أنهم ابتلوا بمن رضي الذل، و رضي التبعية، و رضي البعد عن القيم العربية، و ما علي الشعب الا أن يقول كلمته الفصل، و يصحح الأخطاء، و يحيي المبادي ء و القيم التي جاء بها الاسلام الحنيف، و التي كان كثير منها قيما تربت عليها العرب، و نشأت عليها الأجيال.



يا أخوة الايمان هذه فرصة

أن تستغل فحظنا هو أوفر



بان الضلال مكشرا أنيابه

و محملا بمصائب هي أخطر



هبوا جميعا و اعلنوها صرخة

تصحي النيام فنومهم هو منكر



لا تتركوها فرصة جاءت لكم

حتي و ان حرق النبات الأخضر



ان ضيعت ضاعت فلسطين التي

هي عزنا ان ضاع لا يتكرر



بهذه الروح كان محمد يود لو تربي عليها المواطن العربي،



[ صفحه 125]



فهو يري أن من الخيبة و الخسران أن يرضي العربي بالذل و الهوان، بحجة الخوف من الموت، و هل نسي المسلم ان الله جلت عظمته قال في كتابه العزيز: (يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة)، أم أنهم نسوا قول القائل:



فمن لم يمت بالسيف مات بغيره

تعددت الأسباب و الموت واحد



ألم تكن تضحية الامام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام عبرة للمسلمين، ألم يقدم نفسه قربانا من أجل دوام الاسلام علي نهج جده المصطفي محمد صلي الله عليه وآله و سلم، بعد أن وجد أن تعاليمه و أحكامه و شرائعه في طريقها للنسيان ان لم نقل للاندثار، ألم تكن مخاطبته لنفسه عبرة لنا حين قال:

ان كان دين محمد لا يستقم الا بقتلي يا سيوف خذيني.

علي فرض أن في الاقدام هلاك و موت، فما المانع من ذلك ما دام الأمر يستحق التضحية و الفناء، ألم يكن أصحاب الامام الحسين عليه السلام يعلمون بكونهم مقتولين لا محالة، فلماذا أقدموا اذا، ألم يجدوا الأمر يستحق ذلك الاقدام و تلك التضحية؟

لا أدري بماذا يعلل الصامت من الحكام صمته، و لا أدري لماذا لا يطلع الشعوب العربية علي أسباب صمته، و هو يراهم كيف انفجروا كالبركان رافضين لهذا الصمت، و لا أدري بماذا يعلل الحكام وقوف قواتهم بوجه المتظاهرين و ضربهم بالهراوات أو بالقنابل المسيلة للدموع، و لا أدري ما معني ادعائه بكونه أصبح قائدا لأن الشعب انتخبه وقوده عليهم، و هو يستخدم مع الشعب كل تلك الأعمال.



[ صفحه 126]



ما عاد الناس يفهمون معني صحيحا للديمقراطية، و هم يشاهدون مثل هذه المناظر علي شاشات التلفاز، أتري ديمقراطيتهم كديمقراطية أمريكا و بريطانيا و اسرائيل، أم أن فهمهم لحقوق الانسان كفهم هذه الدول لها؟

قديما كانت كلمة واحدة تكفي العربي أن يعيد النظر في سلوكه أو أقواله، أما اليوم فقد صار بعض العرب لا ينفع معهم الا الكي، و لا أدري ان كان المرض معد و مستشري بماذا يجب أن يعالج؟ و ماذا نفعل لكي لا يصاب بالمرض غيره؟

بكل ذلك كان محمد مفكرا، و كان تفكيره قد أخذ به بعيدا، و أعتقد أن ذلك من حقه كونه مواطن عربي مسلم، تربي علي حب وطنه و أمته و دينه، و هو يري الآن أن كل ما تربي عليه قد استبيحت حرمته. و ان اخوانه في العروبة و الدين و خصوصا أصحاب القرار كأنهم علي رؤوسهم الطير أو كأنهم أمواتا، لا شعور لهم و لا حركة...

و حينما وجد الأبناء أن سكوت أبيهم قد طال، و هم لم يتعودا منه ذلك، قال الابن الأوسط: ألا تحدثنا اليوم يا أبي؟

انتبه الأب لقول ابنه، و رمق أبناءه بنظرة منه فاحصة، فوجد عيونهم قد تعلقت بشفتيه منتظرين جوابه علي تساؤل أخيهم، و قد رسمت علي شفاههم ابتسامة عريضة، داعبت مشاعر الأب اتجاه أبنائه، فقال و هو يبتسم: نعم يا أبنائي، سنبدأ اليوم بحديث جديد، يبحث عن سيرة حياة الامام الخامس من أئمة آل البيت النبوي الأطهار، ألا و هو الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عليهم منا و من الله السلام.



[ صفحه 127]




پاورقي

[1] سورة البقرة: الآية: 105.

[2] سورة البقرة: الآية: 109.

[3] سورة آل عمران: الآية: 69.

[4] سورة آل عمران: الآية: 72.

[5] سورة آل عمران: الآية: 118.

[6] سورة آل عمران: الآية: 119.

[7] سورة المائدة: الآية: 60.

[8] سورة المائدة: الآية: 59.

[9] سورة المائدة: الآية: 82.

[10] سورة الحشر: الآية: 11.