بازگشت

علم الامام الباقر


من المعروف أن كل انسان حينما يكون غير مشغولا بعمل أو حديث كثيرا ما يتحدث مع نفسه بأحاديث شتي تتفاوت بالأهمية تبعا لما يحمل من عقلية، و ما يحمل من خصائص، و هذا ما حدث اليوم مع محمد، حيث أخذ يسائل نفسه عن المصطلح الذي يصح أن يطلقه علي الامام المعصوم، و كذلك علي من هو دونه في العلم.

كان يتسائل مع نفسه ان كنا نطلق مصطلح العالم علي كل من حمل علما تري بماذا نسمي الامام من الناحية العلمية و هو من حمل علما غزيرا فاق كل ما يمكن للانسان العادي أن يبلغه.

ثم أخذ يبحث مع نفسه: تري أيجوز لنا أن نسمي كل من كان أعلم من غيره في زمانه عالما؟ و علي فرض أن وجد من هو أعلم منه، تري بماذا نصفه؟ و ما هو المصطلح الذي يناسبه؟ أم هل يجوز أساسا أن نسمي كل من كان أعلم أهل زمانه عالما؟... علي فرض اننا في العصر الحجري حيث كان الانسان بدائيا، فهل يحق لنا أن نسمي من كان أعلم الناس هؤلاء عالما؟



[ صفحه 135]



قد يقول قائل: أنه في الحالة هذه عالما بالنسبة لمن هم في ذلك الزمان؟ و الرد علي هذا القول: ان لفظ عالم لا يمكن أن نفرق فيه بين عصر و آخر، لأنه يعني كما هو مفهوم أن صاحبه له من العلم نصيبا كبيرا و عظيما، و في ذلك العصر لا يوجد من هو كذلك.

و لو رجعنا الي كتاب الله العزيز علي اعتباره الدستور الذي فيه تبيان كل شي ء، و نظرنا الآيات التي ذكر فيها الله تعالي حملة العلم لوجدنا قوله تعالي: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغآء تأويله و ما يعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الآ أولوا الألباب (7))... [1] و لو أردنا معرفة من هم الراسخون في العلم الذي يعرفون تأويل كتاب الله تعالي و تفسيره، لوجدنا قوله تعالي: (و مآ أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (43)) و (مآ أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (7)) [2] ، هي الرد علي هذا التسائل، فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: نحن أهل الذكر، و يشهد لذلك ان الله تعالي سمي نبيه ذكرا، بقوله (قد أنزل الله اليكم ذكرا (10) رسولا...) [3] ، و من وصية له عليه السلام لولده و جميع المسلمين قبل وفاته قال فيها: «و آمركم أن تسألوا أهل الذكر، و نحن و الله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا الا كاذبا، و يصدق ذلك قول الله عزوجل: (... قد أنزل



[ صفحه 136]



الله اليكم ذكرا (10) رسولا يتلوا عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا و عملوا الصالحات من الظلمات الي النور...)، ثم قال الله تعالي: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) [4] .

و قال تعالي أيضا (و اذا جآءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه الي الرسول و الي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و لولا فضل الله عليكم و رحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا (83))... [5] ، و قد اتفق الكل علي أن ولي الأمر يجب أن يكون عالما عادلا الي غير ذلك من الشروط التي تؤهله لهذا المكان، ثم اختلف البعض فقال: ممكن أن لا تتوفر فيه كل هذه الشروط، و آخرين قالوا: ممكن حتي ولو لم يتوفر فيه أي منها، و كل ذلك كان دفاعا عن الذين احتلوا ولاية أمر المسلمين من غير آل البيت، و هذا طبعا لا يرضاه العقل و لا المنطق لأسباب منها: أن ولي الأمر يجب أن يكون حاملا بل أن تكون هذه الشروط من سجاياه التي جبل عليها، لأنه سيطاع من قبل الناس، و من يطاع يفترض أن لا يضل، و لا يخطأ، و اذا كان غير ذلك فلا يتأهل لهذا المنصب غير آل البيت الذين طهرهم الله تعالي تطهيرا، و بذلك يتوجب أن يكون أولي الأمر هم الأئمة من آل البيت النبوي، و يؤكد ذلك: قول الله تعالي: (انما وليكم الله و رسوله و الذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكاة و هم راكعون (55))، و قوله تعالي هذه يؤكد وجوب ولاية الله تعالي أولا ثم رسوله الكريم ثم: (والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون)، و الذي أكد جمع من رجال التفسير أنه سبحانه و تعالي كان يعني بذلك عليا عليه السلام [6] .



[ صفحه 137]



ثم تابع الأب حديثه قائلا: ولكون الأئمة من آل البيت هم أهل الذكر الراسخون في العلم الذين أمرنا الله تعالي بالرجوع اليهم و سؤالهم عن كل ما يعترض حياتنا من أمور الدين و الدنيا، كانت وصية رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم خاتمة ذلك و تأكيده حين قال صلي الله عليه وآله و سلم: اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي آل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، و قال صلي الله عليه وآله و سلم أيضا: لا تعلموهم فانهم أعلم منكم.

و بناء علي ما قدمنا، فان كل من هم دون آل البيت في العلم، لا يجوز أن يتقدموهم، و لا يصح أن نطلق عليهم هذا المصطلح، و انما يناسبهم ان قلنا عنهم أولي علم، و أولي العلم كما هو معروف درجات، و أن فوق كل ذي علم عليم، و أن ما اعتادت الناس علي اطلاقة علي أصحاب العلم من الرجال هو في الحقيقة مجازيا، و ذلك لجواز الخطأ فيهم. و ان هناك من هو أعلم من أي منهم تبعا لم يرتضيه العقل و لما ورد في قوله تعالي: (و فوق كل ذي علم عليم).

كان الوقت قد مضي سريعا و محمد يحدث نفسه، و فجأة انتبه لحاله، فقرر العودة الي منزله.

و حينما دخل علي أسرته وجد الأبناء علي انتظاره ليبدأ معهم الحديث، فأخذ مكانه بينهم، و ما هي الا فترة قصيرة من الزمن، حتي قال الأب:

سيكون حديثنا هذا اليوم عن علم الامام محمد الباقر عليه السلام:

قال الله تعالي في كتابه العزيز: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير (32)) [7] .



[ صفحه 138]



و لو حاولنا معرفة من هم الذين أورثهم الله تعالي الكتاب، لوجدنا اجابة واضحة في الآية الكريمة تقول: (الذين اصطفينا من عبادنا)، و بذلك سيكون تساؤلنا: من هم الذين اصطفاهم الله تعالي.

و الآن لنعود الي الآية الكريمة: قال الله تعالي: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير (32))، و الآن لنتساءل ماذا عني الله تعالي بقوله: (ثم أورثنا الكتاب)، يقصد به القرآن، أم العلم الذي بالقرآن الكريم؟

الابن الأكبر: بالتأكيد ان الله تعالي عني بذلك العلم بالكتاب.

الأب: لنرجع الي آية في كتاب الله تقول: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).

و هنا نجد أن الله تعالي أمرنا أن نسأل أهل الذكر، و أهل الذكر كما أثبت رجال العلم أنهم آل البيت عليهم السلام [8] ، و بناء علي أمر الله تعالي هذا، فان آل البيت عليهم السلام عندهم علم الكتاب، لأن من غير المعقول أن نؤمر بسؤالهم، ان لم يكونوا عالمين بكل ما في كتاب الله تعالي، و هذا يعني أنهم قد ورثوا علم الكتاب، و أنهم هم الذين اصطفاهم الله تعالي من بين جميع مخلوقاته.

و قد سئل أميرالمؤمنين علي عليه السلام: أن عيسي بن مريم كان يحيي الموتي، و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، هل لكم هذه المنزلة؟



[ صفحه 139]



فقال عليه السلام في جوابه: أن سليمان بن داود عليه السلام غضب علي الهدهد لفقده، لأنه يعرف الماء و يدل عليه، و لا يعرف سليمان الماء تحت الهواء، مع أن الريح و الانس و الجن و الشياطين المردة كانوا له طائعين.

و ان الله تعالي يقول في كتابه: (و لو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتي).

و يقول تعالي: (و ما من غآئبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين).

و يقول تعالي: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [9] .

فنحن أورثنا هذا القرآن، الذي فيه ما يسير به الجبال، و قطعت به البلدان، و يحيي به الموتي، و نعرف به الماء، و أورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شي ء.

و روي عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم عن هذه الآية: (الذي عنده علم من الكتاب)؟

قال صلي الله عليه وآله و سلم: ذاك وزير أخي سليمان بن داود عليه السلام.

قال أبوسعيد: ثم سألته صلي الله عليه وآله و سلم عن قوله تعالي:

(قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب)؟

قال صلي الله عليه وآله و سلم: ذاك أخي، علي بن أبي طالب عليه السلام [10] .

و قال عبدالله بن عطاء: سألت الامام أباجعفر الباقر عليه السلام عن المراد بالآية: (قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب)؟



[ صفحه 140]



قال عليه السلام: علي بن أبي طالب عليه السلام، و كذا قال محمد بن الحنفية [11] .

من كل هذا نعرف أن الأئمة من آل البيت عليهم السلام قد ورثوا علم الكتاب، و كتاب الله تبارك و تعالي كما حدثنا عنه أميرالمؤمنين عليه السلام: نورا لا تطفي ء مصابيحه، و سراجا لا يخبو توقده، و بحرا لا يدرك قعره، و منهاجا لا يضل نهجه، و شعاعا لا يظلم نوره، و فرقانا لا يخمد برهانه، و بيانا لا تهدم أركانه، و شفاء لا تخشي اسقامه، و عزا لا تهدم أنصاره، و حقا لا يخذل أعوانه.

فهو معدن الايمان و بحبوحته، و ينابيع العلم و بحوره، و رياض العدل و غدرانه، و أثافي الاسلام و تبيانه، و أودية الحق و غيطانه.

ثم تابع الأب حديثه فقال: فمن كانوا يحملون علم القرآن الذي أورثهم الله تعالي اياه، و طهرهم من كل رجس و خبيث، تري كيف يكون علمهم؟

فقال الابن الأكبر: لو لم يكونوا غزيري العلم و وارثي الكتاب و الحكمة لما أوصانا بهم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم بقوله: اني تركت فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله و عترتي آل بيتي.

الأب: و في رواية أخري أنه صلي الله عليه وآله و سلم قال: اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي آل بيتي، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.

الابن الأكبر: و لكن الحديثين بنفس المعني يا أبي.



[ صفحه 141]



الأب: نعم يا ولدي لا فرق سوي التقديم و التأخير، فمنهم من رواه كما ذكرت و منهم من رواه بالشكل الثاني، و هناك من روي الحديث بزيادة في بعض الألفاظ فقال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: اني تركت فيكم الثقلين، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما [12] .

ثم تابع الأب حديثه فقال: و من علم الامام محمد الباقر عليه السلام و فضله، فقد كان جابر بن يزيد الجعفي اذا روي عنه عليه السلام شيئا قال: حدثني وصي الأوصياء، و وارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، كما و قال فيه عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، و لقد رأيت الحكم بن عيينه مع جلالته في القوم بين يديه، كأنه صبي بين يدي معلمه [13] و في قول آخر أن الراوي كان عبدالله بن عطاء [14] .

الابن الأكبر: و من هو الحكم بن عيينه هذا؟

الأب: هو الحكم بن عيينه الكندي، المتوفي سنة 113 الذي قال عنه ابن حجر أنه كثير العلم و الفقاهة، و قال عنه مجاهد: رأيت الحكم في المسجد و علماء الناس عيال عليه، و قال جرير عن مغيرة: كان الحكم اذا قدم المدينة خلوا له سارية النبي صلي الله عليه وآله و سلم يصلي بها،



[ صفحه 142]



و قال ابن عيينه: ما كان بالكوفة بعد ابراهيم و الشعبي مثل الحكم و حماد.

و هو مع قول هؤلاء فيه و في علمه، قال عبدالله بن عطاء: و لقد رأيته عنده و كأنه متعلم، و في الرواية الأولي قال عطاء المكي: و لقد رأيت الحكم بن عيينه مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه.

هكذا كانت نسبة علم الحكم هذا بالنسبة لعلم الامام محمد الباقر عليه السلام.

كان عليه السلام يعمل علي نشر تعاليم دين الاسلام و أحكامه كلما وجد لذلك مناسبة، و كان يعلم الكل صغيرهم و كبيرهم عامهم و خاصهم، جاهلهم و عالمهم، و مما روي عن نشره لأحكام الاسلام و تعاليمه ما رواه مخول بن ابراهيم عن قيس بن الربيع قال: سألت أبااسحاق عن المسح علي الخفين، قال: أدركت الناس يمسحون حتي لقيت رجلا من بني هاشم، لم أر مثله قط: محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فسألته عن المسح (علي الخفين)، فنهاني عنه و قال: لم يكن علي أميرالمؤمنين عليه السلام يمسح (علي الخفين)، و كان يقول سبق الكتاب المسح علي الخفي، قال أبواسحاق فما مسحت منذ أن نهاني عنه، و قال قيس بن الربيع، و ما مسحت أنا منذ سمعت أبااسحاق [15] .

الابن الأكبر: أري يا أبي أن موضوع السؤال كان حول المسح علي الخفين، الا أن راوي الجواب أو كاتبه حاول أن يذكر المسح دون أن يذكر الخفين، و هذا قد يحدث اشكالا لدي المسلمين؟



[ صفحه 143]



الأب: نعم يا ولدي، و قد يكون ذلك مقصودا أو غير مقصود، فالله وحده أعلم، ولكن لكي تجعل من الأمر أكثر وضوحا نقول: كان المسلمون يبيحون المسح علي الخفين سواء كان ذلك بضرورة أو بدون ضرورة، و حينما سئل الامام الباقر عليه السلام عن ذلك قال: لم يكن أميرالمؤمنين عليه السلام يمسح، فان كان جوابه يمسح دون ذكر الخفين، و هذا ما لا أعتقده لأنه كما ذكرت قد يولد اشكالا و الامام الباقر عليه السلام حاشاه أن يعرض الناس للاشكال، فالجواب يعود علي صيغة السؤال، و السؤال كان عن المسح علي الخفين، ثم أكد ذلك الآخر من الاجابة و هو قوله عليه السلام: سبق الكتاب المسح علي الخفي، أي أن القرآن الكريم صرح بوجوب المسح علي الرجلين، و لا خلاف في أن الخف هو غير الرجل، و بذلك يكون المسح علي الخف غير جائز، فحكم الله تعالي فوق حكم البشر.

و كانت للامام الباقر عليه السلام مناظرات عديدة مع من خالفوه، و كان رده عليهم دائما بافحام، يخيب نواياهم في احراجه أو اعجازه، و لو كانوا قد أيقنوا بكونه الامام بعد أبيه لعلموا أنه عليه السلام قادر علي أن يجيبهم عن كل ما يرد في أذهانهم من سؤال، و كما روي عن أبيه الامام علي بن الحسين عليهماالسلام حينما سئل: بأي شي ء تحكمون؟ قال عليه السلام: بحكم آل داود، فان عيينا عن شي ء تلقانا به روح القدس.

و كيف لا يكونوا كذلك و هم من ورثوا علم الأنبياء و الأوصياء، و أورثهم الله تعالي الكتاب و الحكمة، و قد قال الله تعالي:



[ صفحه 144]



(أم يحسدون الناس علي مآ ءاتاهم الله من فضله فقد ءاتينآ ءال ابراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا عظيما (54)) [16] .

و قد روي أبوالحسن المغازلي عن الامام الباقر محمد عليه السلام أنه قال: نحن الناس و الله [17] .

و أخرج محمد بن يعقوب بسنده عن بريدة العجلي قال: سألت أباجعفر الباقر عليه السلام، عن قوله تعالي: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم).

فكان جوابه عليه السلام: (ألم تر الي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت و يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين ءامنوا سبيلا).

يقولون لأئمة الضلال، و الدعاة الي النار: هؤلاء أهدي من آل محمد سبيلا.

(أولئك الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52) أم لهم نصيب من الملك)، (يعني الامامة و الخلافة)، (فاذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس علي مآ ءاتاهم الله من فضله)، و نحن الناس المحسودون علي ما آتانا الله من الامامة دون خلقه، (فقد ءاتينآ ءال ابراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا عظيما) يقول: جعلنا منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة، فكيف يقرون به في آل ابراهيم و ينكرونه في آل محمد، (فمنهم من ءامن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا) [18] .



[ صفحه 145]



فقد روي الزهري قال: حج هشام بن عبدالملك، فدخل المسجد الحرام متكئا علي يد سالم مولاه، و محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في المسجد.

فقال سالم لهشام: يا أميرالمؤمنين، هذا محمد بن علي بن الحسين، قال هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال سالم: نعم، قال: اذهب اليه...

فقال سالم للامام الباقر عليه السلام: يقول لك أميرالمؤمنين: ما الذي يأكل الناس و يشربون الي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: يحشر الناس علي أرض مثل قرص نقي، فيها أنهار متفرقة، يأكلون و يشربون حتي يفرغ من الحساب.

قال الزهري: فرأي هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، اذهب اليه فقل له: ما أشغلهم علي الأكل و الشرب يومئذ؟

فقال له الامام عليه السلام: هي في النار أشغل، و لم يشتغلوا عن ان قالوا: (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله)، فسكت هشام لا يرجع كلاما.

الابن الأكبر: عجبت لهؤلاء الناس في زمان آل البيت، و أخص منهم الذين عايشوهم، و عرفوا فضلهم و أفضليتهم، كيف تجرأوا عليهم سواء في قول أو فعل؟

الأب: أسألك، كيف تجرأت بنواسرائيل فقتلت جمعا كبيرا من الأنبياء الذي بعثهم الله لهم؟

الابن الأكبر: الشيطان سول لهم و أغراهم.

الأب: و هذا الذي ذكرت، هو ما حصل، و ما يحصل في كل



[ صفحه 146]



زمان، الي أن تقوم الساعة، و قد حذرنا الله تعالي في كتابه العزيز، هذا العدو الذي يسعي في أن يصدنا عن ذكر الله تعالي، و العمل بما سن لنا الله من سنن و أحكام، و قد جاء تحذيره جل جلاله لنا في جملة آيات بينات كقوله تعالي:

(انما يأمركم بالسوء و الفحشاء و أن تقولوا علي الله ما لا تعلمون (169)) [19] .

و قال تعالي: (يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم انا جعلنا الشياطين أوليآء للذين لا يؤمنون (27)) [20] .

و قال تعالي: (و من يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين (36)) [21] .

و قال تعالي: (و لأضلنهم و لأمنينهم و لأمرنهم فليبتكن ءاذان الأنعام و لأمرنهم فليغيرن خلق الله و من يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119)) [22] .

الابن الأكبر: أعاذنا الله تعالي من الشيطان الرجيم.

فقال الأب: نعم يا ولدي، فقد وجد الامام الباقر عليه السلام كثيرا من الأذي من المناوئين و المبغضين، و ما نفع معهم تحذير الله تعالي، فاتبعوا الشيطان فيما وعدهم به و أغواهم فيه، و سيأتي اليوم الذي سيسمعون به براءة الشيطان منهم:



[ صفحه 147]



(و قال الشيطان لما قضي الأمر ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فأخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان الآ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم مآ أنا بمصرخكم و مآ أنتم بمصرخي اني كفرت بمآ أشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب أليم (22)) [23] .

الابن الأكبر: حدثنا عن مناظرات الامام الباقر عليه السلام مع من خالفه يا أبي.

الأب: نعم يا ولدي، سنتحدث عن ذلك من غد ان شاء الله.



[ صفحه 148]




پاورقي

[1] سورة آل عمران: الآية: 7.

[2] سورة النحل: الآية: 43. و سورة الأنبياء: الآية: 7.

[3] تفسير التبيان: للطوسي، ج 7، ص 205.

[4] نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: لمحمد باقر المحمودي، ج 2، باب الوصايا، ص 310.

[5] سورة النساء: الآية: 83.

[6] راجع كتابنا أميرالمؤمنين عليه السلام في مكة و المدينة، تجد فيه كل من أكد ذلك من رجال التفسير.

[7] سورة فاطر: الآية: 32.

[8] راجع التبيان: للطوسي، ج 7، ص 205. و كتابا أميرالمؤمنين عليه السلام في مكة و المدينة، في الحديث عن الآية: (فسئلوا أهل الذكر).

[9] ينابيع المودة: للقندوزي الحنفي، ص 71.

[10] ينابيع المودة: ص 102.

[11] تفسير الرازي: ج 3 ص 203.

[12] راجع صحيح الترمذي: ج 2، ص 308. و أسد الغابة: ج 2، ص 12.

[13] راجع كشف الغمة: ج 2، ص 337 - 336.

[14] كشف الغمة: ج 2، ص 330 - 329.

[15] كشف الغمة: ج 2، ص 337.

[16] سورة النساء: الآية: 54.

[17] الصواعق المحرقة: لابن حجر، ص 152. الآية السادسة. و اسعاف الراغبين: للشيخ محمد الصبان في هامش نور الأبصار: للشبلنجي، ص 109.

[18] المراجعات: للسيد عبدالحسين شرف الدين هامش صفحة 63 تحت رقم 3.

[19] سورة البقرة: الآية: 169.

[20] سورة الأعراف: الآية: 27.

[21] سورة الزخرف: الآية: 36.

[22] سورة النساء: الآية: 119.

[23] سورة ابراهيم: الآية: 22.