بازگشت

ما يدل علي امامته


جلس محمد و أبناؤه في الغرفة، فقال الابن الأكبر لأبيه: حدثنا يا أبي عن مناظرات الامام الباقر عليه السلام، فهي تظهر فضله بشكل واضح يا أبي؟

الأب: ان لكل امام من أئمة أهل البيت فضائل جمة، لم يبلغ معشارها أي مسلم، سواء في زمانهم أو الزمان الذي سبقهم، و سأحدثكم اليوم عن فضائل الامام الباقر عليه السلام والتي تدل علي فضله و امامته.

فقال الأبناء: كما تشاء يا أبي، فقال الأب: روي عن أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام في مجلس له ذات يوم، اذ أطرق رأسه في الأرض، ثم رفع رأسه عليه السلام فقال: يا قوم، كيف أنتم اذا جاءكم رجل، يدخل عليكم مدينتكم هذه، في أربعة آلاف، حتي يستعرضكم بالسيف ثلاثة أيام، فيقتل مقاتلتكم، و تلقون منه بلاء، لا تقدرون أن تدفعوه، و ذلك من قابل، فخذوا أحذركم، و أعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لا بد منه.



[ صفحه 167]



قال الامام الصادق عليه السلام: فلم يلتفت أهل المدينة الي كلامه عليه السلام، و قالوا: لا يكون هذا أبدا، فلم يأخذوا حذرهم، الا نفر يسير، و بنوهاشم خاصة، و ذلك أنهم علموا، أن كلامه عليه السلام هو الحق، فلما كان من قابل، تحمل أبوجعفر عليه السلام بعياله و بنوهاشم، و خرجوا من المدينة.

و جاء نافع بن الأزرق، حتي كبس المدينة (أي هجم عليها)، فقتل مقاتلتهم، و فضح نساءهم.

فقال أهل المدينة: لا نرد علي أبي جعفر شيئا نسمعه منه أبدا، بعدما سمعنا و رأينا [1] .

الابن الأكبر: و هل هذا الذي ذكرت يؤكد علي أن الأئمة من آل البيت يعلمون بما كان و بما يكون يا أبي.

الأب: و ما الغرابة من ذلك يا ولدي، ألم يكن علمهم من علم جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، ألم يقل الامام الباقر عليه السلام لهشام بن عبدالملك حينما قال له: ان عليا يدعي علم الغيب: ان الله أنزل علي نبيه صلي الله عليه وآله و سلم كتابا بين فيه ما كان و ما يكون الي يوم القيامة في قوله تعالي: (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي ء و هدي و رحمة و بشري للمسلمين).

ثم قال الأب: فما المانع يا ولدي و هم من أورثهم الله تعالي علم الكتاب، في أن يعلموا بما كان و ما يكون، ألم يكونوا وارثين لعلم جدهم أميرالمؤمنين عليه السلام؟ ألم يكن أميرالمؤمنين كثيرا ما يقول: علمني أخي و حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم ألف باب من العلم يفتح في كل باب ألف باب.



[ صفحه 168]



ثم قال الأب: روي عن مالك الجهني قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام فنظرت اليه، و جعلت أفكر في نفسي و أقول: لقد عظمك الله و كرمك، و جعلك حجة علي خلقه.

فالتفت الي عليه السلام و قال: يا مالك، ان الأمر أعظم مما تذهب اليه [2] .

ثم تابع الأب حديثه قائلا: نعم يا ولدي، هو أعظم مما يذهب اليه أي متفكر في فضلهم و عظمة شأنهم، أتعتقد ان الله تعالي طهرهم من الرجس عبثا أو بدون حكمة من ذلك؟ أم ان الله تعالي حينما جعل جزاء رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم هو ود آل بيته بقوله جل جلاله: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا).

ثم قال الأب: روي عن جابر قال: كنا عند الامام الباقر عليه السلام نحو من خمسين رجلا، اذ دخل عليه كثير النواء (نسبة الي بيعة النوا)، و كان من المغايرة (المغيرية [3] )، فسلم و جلس، ثم قال: ان المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة، يزعم أن معك ملكا، يعرفك الكافر من المؤمن، و شيعتك من أعدائك؟

فقال له الامام الباقر عليه السلام: ما حرفتك؟ قال: أبيع الحنطة، قال عليه السلام له: كذبت، فقال كثير: و ربما أبيع الشعير، قال عليه السلام: ليس كما قلت، بل تبيع النوا.

فقال كثير للامام عليه السلام: من أخبرك بهذا، قال عليه السلام: الملك



[ صفحه 169]



الرباني يعرفني شيعتي من عدوي، و لست تموت الا تائها (أي ذاهب العقل) و (قيل المتحير في الدين)، قال جابر: فلما انصرفت الي الكوفة، ذهبت الي جماعة نسأل عن كثير، فدللنا علي عجوز، فقالت: مات تائها منذ ثلاثة أيام [4] .

الابن الأكبر: و هل كان الامام الباقر عليه السلام يعلم بيوم وفاته كما كان جده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و الامام الحسين بن علي عليهماالسلام؟

الأب: نعم يا ولدي، روي أن ميثم التمار و رشيد الهجري و غيرهم من الأفاضل كانوا قد أعلمهم أميرالمؤمنين بعض هذا العلم، فهل يعقل أن من ورث علم أميرالمؤمنين عليه السلام لا يعلمه؟

لقد روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام قال: ان أبي مرض مرضا شديدا، حتي خفنا عليه، فبكي بعض أهله عند رأسه، فنظر اليهم فقال: اني لست بميت من وجعي هذا.

قال عليه السلام: فبري ء و مكث ما شاء الله أن يمكث فينا، و هو صحيح ليس به بأس.

ثم قال الامام الصادق عليه السلام: قال لي عليه السلام: يا بني، ان اللذان أتياني في وجعي ذاك، أنبأني اني ميت في يوم كذا و كذا، فقال عليه السلام: فمات في ذلك اليوم [5] .

و مما يروي عن سعة علمه بما يكون ما روي عن أبي بصير قال: كنت مع الامام الباقر عليه السلام في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قاعدا،



[ صفحه 170]



حدثان ما مات علي بن الحسين عليهماالسلام، اذ دخل المنصور و داود بن سليمان، قبل أن يقضي الملك الي ولد بني العباس، و ما قعد الا داود الي الامام الباقر عليه السلام، فقال الامام الباقر عليه السلام لداود: ما منع الدوانيقي أن يأتي؟ قال: فيه جفاة، قال الامام الباقر عليه السلام: لا تذهب الأيام حتي يلي أمر هذا الخلق، فيطي أعناق الرجال، و يملك شرقها و غربها، و يطول عمره فيها، حتي يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد قبله.

فقام داود، و أخبر الدوانيقي بذلك، فأقبل اليه الدوانيقي و قال: ما منعني من الجلوس اليك الا اجلالك، فما الذي أخبرني به داود؟ قال عليه السلام: انه كائن، قال المنصور: نعم، قال: فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا؟ قال عليه السلام: مدتكم أطول، وليتلقفن هذا الملك صبيانكم، و يلعبون به كما يلعبون بالكرة، هذا ما عهده الي أبي، فلما ملك الدوانيقي تعجب من قول الامام الباقر عليه السلام [6] .

ثم تابع الأب حديثه قائلا: و كان الامام الباقر محمد بن علي عليه السلام كأبيه الامام السجاد عليه السلام كثير الدعاء و التوسل، كثير العبادة، فقد روي عن ولده الامام جعفر الصادق عليه السلام قال: كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم أئتمر، و نهيتني فلم أنزجر، فها أنا عبدك بين يديك و لا أعتذر.

و كان عليه السلام يقول: ما من عبادة أفضل من عفة بطن و فرج، و ما من شي ء أحب الي الله من أن يسأل، و لا يدفع القضاء الا الدعاء، و أن أسرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و كفي بالمرء



[ صفحه 171]



عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يفعله، و أن ينهي الناس عما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

و روي عن أفلح مولي أبي جعفر عليه السلام قال: خرجت مع محمد بن علي عليهماالسلام حاجا، فلما دخل المسجد نظر الي البيت، فبكي حتي علا صوته، فقلت: بأبي أنت و أمي، ان الناس ينظرون اليك، فلو رفقت بصوتك قليلا، فقال عليه السلام لي: ويحك يا أفلح، و لم لا أبكي، لعل الله ينظر الي منه برحمة، فأفوز بها عنده غدا.

ثم قال أفلح: فطاف عليه السلام بالبيت، ثم جاء حتي ركع عند المقام، فرفع رأسه من سجوده، فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه.

ثم قال أفلح: و كان عليه السلام اذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني.

ثم قال الأب لأبنائه: و روي الآربلي في كتابه كشف الغمة عن الوزير السعيد مؤيد الدين أبي طالب محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن العلقمي رحمه الله، قال: ذكر الأجل أبوالفتح يحيي بن محمد بن حياء الكاتب قال: حدث بعضهم قال:

كنت بين مكة و المدينة، فاذا أنا بشبح يلوح من البرية، يظهر تارة و يغيب أخري، حتي قرب مني، فتأملته، فاذا هو غلام سباعي أو ثماني، فسلم علي، فرددت عليه السلام، و قلت: من أين؟ قال: من الله، فقلت: و الي أين؟ قال: الي الله، قال: فقلت: فعلام، فقال: علي الله، فقلت: ما زادك؟ قال: التقوي، فقلت: ممن أنت؟ قال: أنا رجل عربي، فقلت: ابن لي، قال: أنا رجل قرشي، فقلت: ابن لي، قال: أنا رجل هاشمي، فقلت: ابن لي، قال: أنا رجل علوي، ثم أنشد:



[ صفحه 172]



فنحن علي الحوض ذواده

نذود و يسعد رواده



فما فاز من فاز الا بنا

و ما خاب من حبنا زاده



فمن سرنا نال منا السرور

و من ساءنا ساء ميلاده



و من كان غاصبنا حقنا

فيوم القيامة ميعاده



ثم قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

قال الأب: فمن كانوا للمسلمين بمثل هذه المنزلة الرفيعة يفترض أن لا يكونوا كغيرهم من الناس، لقد جعل الله تعالي منهم شفعاء، و سفن نجاة هذه الأمة، و من ودهم نال من الله حسنة قد يضاعفها الله له ان شاء، و هذا يعني أنه جل جلاله اصطفاهم من بين من خلق و أورثهم علم الكتاب و طهرهم، و أمرنا بطاعتهم و الرجوع اليهم عند تعرضنا لأي معضلة، أو اختلاف، فهل يعني كل ذلك غير أن يكونوا حجة لله تعالي علي خلقه و أئمة للمسلمين بعد رسوله الكريم محمد صلي الله عليه وآله و سلم، لكي لا تخلو الأرض من رحمة الله تعالي و عطفه و حنوه علي عبيده، تتلاعب بهم وساوس الشيطان، و ترديهم أطماع النفس و نزواتها.

و لكي يكون المسلم علي بينة من أمره، و تستقر النفس الي موالاتهم، كانت منهم أمورا يعجز عن مثلها غيرهم من الناس، ولكي ينتبه لفضلهم، و فضيلتهم من عشي عنهم، و من هذه الأمور غير التي ذكرتها، ما روي عن زيد بن أبي حازم قال: كنت عند أبي جعفر، فمررنا بدار هشام بن عبدالملك و هي تبني، فقال عليه السلام: أما والله لتهدمن، أما والله لينقلن ترابها من مهدمتها، أما والله لتبدون أحجار الزيت، و أنه لموضع النفس الزكية.



[ صفحه 173]



ثم قال يزيد: فتعجبت و قلت: دار هشام، من يهدمها؟

قال يزيد: فرأيت بعد ما مات هشام، و قد كتب الوليد بن عبدالملك في أن تستهدم و ينقل ترابها، فنقل حتي بدت الأحجار، و رأيتها.

و من المعروف أن ليس من السهل أن تكسب الشاك أو الرافض أصلا الي صفك، ففي أول الدعوة الي الاسلام قال المشركون عن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم انه ساحر، و انه مجنون، و انه يعلمه ملك، و غير ذلك من الأقاويل التي أولدتها جهالتهم و اشراكهم و دفاعهم عن معتقداتهم، فنحن حينما نراها جهالة و تخبط فهم كانوا يرونها عكس ذلك تماما، و لذلك فقد عاني رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم منهم كثيرا، و هيي ء الله له القدرة علي اظهار معاجز كثيرة لكي تستفز العقول التي تحجرت و سبتت [7] ، حتي تمكن من أن يوقظ عقولهم بمعاجزه و مناظراته و خلقه العالي، فآمنوا بالدين الاسلامي، و دافعوا عنه بأن بذلوا أرواحهم رخيصة من أجله.

و لأن الامامة هبة من الله تعالي كالنبوة، فهي تحتاج الي أن يتعامل الامام مع العقول في اثبات امامته عند المعترضين فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.

فمن رواية عن يزيد بن أبي حازم أيضا تظهر علم الامام بما سيكون، قال يزيد: كنت مع أبي جعفر عليه السلام، فمر بنا زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فقال أبوجعفر عليه السلام: أما و الله ليخرجن بالكوفة، وليقتلن، وليطافن برأسه.



[ صفحه 174]



فقال الأب: و قد حصل ذلك لزيد بن علي عليه السلام، كما سبق و أن حدثتكم.

الابن الأكبر: و لماذا لم يحذر الامام الباقر عليه السلام أخاه من الخروج ما دام يعلم بمصيرة يا أبي؟

الأب: هناك بعض الأقدار تكون محتومة يا ولي و لا يمكن تغييرها الا أن يشاء الله تعالي، و ان أمر زيد بن علي عليه السلام مما يظهر أنه من الأمر المحتوم الواجب الوقوع، و لو كان غير ذلك لما وردت فيه أخبار.

و مع ذلك، فقد حذر الامام عليه السلام أخاه، فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: أتي عمي زيد لأبي الباقر عليه السلام فقال: أريد الخروج علي هذا الطاغية، فقال عليه السلام: لا تفعل يا زيد، فاني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة.

و روي عن جابر الجعفي قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: لا يخرج علي هشام أحد الا قتله، فقلنا لزيد هذه المقالة، فقال: اني شهدت هشاما و رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يسب عنده فلم ينكر ذلك، و لم يغيره، فوالله، لو لم يكن الا أنا و آخر، لخرجت عليه [8] .

ثم قال الأب: و من دلائل امامة الامام الباقر و معاجزه و أفضاله ما روي عن أبي بصير حيث قال: قلت يوما للباقر عليه السلام:

أنتم ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: و رسول الله وارث الأنبياء كلهم؟ قال عليه السلام: نعم ورث جميع علومهم، قلت: و أنتم ورثتم جميع علم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم؟ قال عليه السلام: نعم قلت: و أنتم



[ صفحه 175]



تقدرن أن تحيو الموتي و تبرؤا الأكمة و الأبرص، و تخبروا الناس بما يأكلون، و ما يدخرون في بيوتهم؟ قال عليه السلام: نعم باذان الله، ثم قال عليه السلام: ادن مني يا أبابصير، قال أبوبصير: فدنوت منه، فمسح علي وجهي، فأبصرت السهل و الجبل و السماء و الأرض، ثم مسح بيده علي وجهي، فعدت كما كنت، لا أبصر شيئا، فقال لي الامام الباقر عليه السلام: ان أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت و حسابك علي الله، و ان كنت تحب كما كنت، و ثوابك الجنة، فقلت: أكون كما كنت، و الجنة أحب الي.

فقال الابن الأكبر: كل ما ذكرت لنا يا أبي دلائل لا شك فيها علي امامة الامام الباقر عليه السلام، الا أن هناك دليلا لا شبهة فيه و قد حدثتنا عنه، و الذي هو ما روي عن الصحابي الفاضل جابر بن عبدالله الأنصاري، حيث قال له رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: فاذا رأيته يا جابر، فاقرئه مني السلام.

فقال الأب: نعم يا ولدي، ان هذا الحديث فيه دلالة واضحة علي فضل الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام، و لو كان غير ذلك لما حصل أصلا، أو لكان قد حصل مثله لأخيه زيد بن علي عليه السلام مثلا، و قد تعرض ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة لهذا الحديث فقال: و كفاه شرفا (يعني الامام الباقر عليه السلام)، ان ابن المديني روي عن جابر، أنه قال له و هو صغير: رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يسلم عليك... [9] .

و يري أيضا أن جبرئيل عليه السلام، هبط علي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، بلوح



[ صفحه 176]



من الجنة، و أعطاه فاطمة عليهاالسلام، و فيه أسماء الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و أن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام هو الامام بعد أبيه.

و في رواية أخري: ان الله تبارك و تعالي، أنزل الي نبيه محمد صلي الله عليه وآله و سلم، كتابا مختوما باثني عشر خاتما، و أمره أن يدفعه الي أميرالمؤمنين عليه السلام، و يأمره أن يفض أول خاتم فيه، و يعمل بما تحته، ثم يدفعه بعد وفاته الي ابنه الحسن بن علي عليهماالسلام، و يأمره بفض الخاتم الثاني و يعمل بما تحته، ثم يدفعه بعد وفاته الي أخيه الحسين بن علي عليهماالسلام، و يأمره بفض الخاتم الثالث، و يعمل بما تحته، ثم يدفعه بعد وفاته الي ابنه علي بن الحسين عليهماالسلام، و يأمره أن يفض الخاتم الرابع، و يعمل بما تحته، ثم يدفعه الي ابنه محمد بن علي عليهماالسلام، و يأمره بفض الخاتم الخامس، و يعمل بما تحته، ثم يدفعه الي ابنه جعفر بن محمد عليهماالسلام، و هكذا الي آخر الأئمة الأطهار و خاتمهم الامام الحجة المنتظر عليه السلام...

الابن الأكبر: عند قراءتنا للتاريخ الاسلامي يا أبي، لا نجد لآل البيت النبوي الأطهار ذكرا الا القليل، في حين أننا لو تتبعنا تراجم الرجال الذين ذكرهم التاريخ لوجدنا أن آل البيت عليهم السلام كان ارتباطهم بالدين الاسلامي و شرائعه و أحكامه، أوثق بكثير من غيرهم، فلماذا لم يعط التاريخ لآل البيت حقهم في الذكر يا أبي؟

الأب: اعلم يا ولدي ان الذين قاموا بكتابة التاريخ هذا هم من كانوا موالين للدولة الأموية أو الدولة العباسية. و هاتين الدولتين كما عرفنا ما كانتا تود آل البيت النبوي الأطهار، و كما ذكر جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الاسلامي فقال: لما طلب الأمويون



[ صفحه 177]



الخلافة لأنفسهم، و هم يعلمون أن أهل البيت أحق بها منهم، و أن حجة أهل البيت في طلبها مبنية علي أساس صحيح، كان أكثر الفقهاء و العلماء و سائر رجال الدين يرون رأيهم و يؤيدون دعوتهم، ولكن العصبية كانت مع الأمويين، و القوة غالبة... [10] .

و ذكر في محل آخر من كتابه: و كانوا (يعني بني أمية)، يقتلون الخارجين عليهم، و يمثلون في قتلاهم، ارهابا لأحزابهم، فيقطعون رأس الرجل و يطوفون به من بلد الي بلد... [11] .

و كما قال المقريزي في شعر له يوضح فيه عداء بني أمية لبني هاشم حيث قال:



عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد



فابن حرب للمصطفي و ابن هند

لعلي و للحسين يزيد



و في رواية أخري أنه قال:



آل حرب أو قدتموا نار حرب

ليس يخبو لها الزمان وقود



فابن حرب للمصطفي و ابن هند

لعلي و للحسين يزيد [12] .



أما الدولة العباسية فلم تكن بأقل من الأموية قسوة علي آل البيت النبوي و انما قد تعدتهم و بالغت في القتل.

اضالة الي أن الدولتين الأموية و العباسية قد أغرت كثيرا من علماء الدين و رجال التاريخ، و بذلت لهم الأموال، و كان حصيلة ذلك تأويل في كتاب الله، و كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و تاريخ



[ صفحه 178]



ضاعت فيه حقائق كثيرة، منها ما كان مرتبطا بالدين و أحكامه و شرائعه.

و ما وجد في التاريخ من ذكر لآل البيت النبوي الأطهار و ما تعرضوا له من ظلم، الا فلتات لسان، أو زلة قلم، أو قول حق رغم الارادة، و هو بحد ذاته حكمة من الله تعالي لاظهار الحق.

الابن الأكبر: و لذلك نجد أن سبب وفاة كثير من الأئمة الأطهار لم يذكرها التاريخ؟

الأب: نعم يا ولدي، و انما كان الاعتماد في ذلك علي ما روي عن آل البيت، و ما سجله الفضلاء الصادقين من أصحابهم، و هل يعقل أن أولياء القاتل يتهمون وليهم.

الابن الأكبر: الذي أعتقده يا أبي ان سبب الاختلاف الحاصل بين المسلمين اليوم كان سببه كتابة التاريخ فيما مضي بتشويشه لصورة الحق، و افتعاله الشكوك.

الأب: بالتأكيد ذلك، و لو كان كتاب التاريخ من الذين يقولون الحق لما كان الأمر علي هذه الحال، و لظهر كل شي ء علي حقيقته.

الابن الأكبر: و مع ذلك يا أبي، فالانسان قد أكرمه الله تعالي بالعقل، فلماذا لا يستخدم الانسان هذه النعمة، و يبحث عن الحق و الحقيقة، كي لا يخسر، يوم لا ينفع الانسان الا ما قدم لنفسه.

الأب: ليس كل الناس من يحاول البحث عن الحقيقة، و انما أكثرهم علي المبدأ القائل، وجدت علي ذلك آبائي و أجدادي.

ولكي لا يكثر الابن من أسئلته قال الأب: كفانا اليوم ما تحدثنا به، فالي غد ان شاء الله.



[ صفحه 179]




پاورقي

[1] الخرائج و الجرائح: لقطب الدين الراوندي.

[2] كشف الغمة: ج 2، ص 352.

[3] كما في البحار، نسبة الي أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادعي الامامة لمحمد بن عبدالله بن الحسن.

[4] راجع كشف الغمة: للآربلي، ج 2، ص 355.

[5] جلاء العيون، ج 3، ص 29 عن الكافي. و بصائر الدرجات.

[6] كشف الغمة: ج 2، ص 354 عن الخرائج و الجرائح للراوندي.

[7] سبتت: من السبات و عدم الحركة.

[8] راجع كتاب الدلائل: للحميري و قد رواها عنه صاحب كشف الغمة: ج 2، ص 352.

[9] راجع الصواعق: لابن حجر، ص 201.

[10] تاريخ التمدن الاسلامي: جرجي زيدان، ج 4، ص 90.

[11] المصدر السابق: ص 96.

[12] راجع الفصائح الكافية لمن يتولي معاوية: ص 85.