بازگشت

من مواعظ الامام الباقر


كان الأبناء في الغرفة حين حضر الأب منزله، فسلم كما اعتاد في كل مرة، ورد الأبناء تحية أبيهم بسرور كبير و واضح علي محياهم، فجلس الأب في المكان الذي اعتاده، و جلس الأبناء حوله، و جلستهم هذه هي الطلب الواضح من الأب في أن يحدثهم، فما كان من أبيهم الا أن قال:

حديثنا هذه الليلة يوضح لنا الكيفية التي كان الامام الباقر عليه السلام يعظ بها أصحابه، بل و يعظ بها المسلمين كافة، سواء في زمن تواجده عليه السلام بينهم، أو في أي زمان بعده، فأحاديث آل البيت كافة هي ترجمة لأحاديث رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و هي ترجمة لما سن الله تعالي من أحكام في كتابه العزيز.

و من بين ما كان يعظ به عليه السلام الناس ما سبق و أن حدثتكم من قوله عليه السلام: ما من عبادة أفضل من عفة بطن و فرج، و ما من شي ء أحب الي الله من أن يسأل، و لا يدفع القضاء الا الدعاء، و أن سرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و كفي بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا



[ صفحه 215]



يفعله، و أن ينهي الناس عما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

و لو تتبعنا كلامه عليه السلام هذا لوجدناه جامع لكثير من خصال المؤمن، فهو يدعو الي العفة و قد ذكرها الله تعالي في كتابه العزيز في أكثر من مكان من القرآن المجيد، فنحن حينما نقرأ القرآن الكريم نجد أكثر من آية تدعونا الي الحلال الطيب الذي أباحه الله تعالي و حلله لنا، و نهانا عن الحرام، سواء كان ذلك في الطعام أو الأموال، و من ذلك قوله جل جلاله:

(انما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير الله)...

و قوله تعالي: (ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا (10)) [1] .

و قوله تعالي: (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)... [2] .

و قوله تعالي: (و الذين هم لفروجهم حافظون (5) الا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين (6) فمن ابتغي ورآء ذلك فأولئك هم العادون (7)) [3] .

و هناك غير ما ذكرت الكثير من الآيات [4] .



[ صفحه 216]



أما عن سؤال الله تعالي فهو اعتراف من العبد بكون الله جل جلاله القوي القادر علي كل شي ء و أن لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

ثم يتحول الامام الي تربية الناس بدعوتهم الي البر و الاحسان و الامتناع عن البغي. و أن يبدأ الانسان باصلاح نفسه و تقويمها قبل اصلاح غيره. و قد نسب الي أميرالمؤمنين عليه السلام قال:



اذا شئت أن تحيا سليما من الأذر

و حظك موفور و عرضك صين



لسانك لا تذكر به عورة أمري ء

فكلك عورات و للناس السن



و عينك أن أبدت اليك مساوئا

فصنها و قل يا عين للناس أعين



و قيل:



لا تنه عن خلق و تأتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم



و كثيرا ما سجل التاريخ لنا كيف كان آل البيت النبوي الأطهار. و هم من جعلوا أسوتهم الحسنة خير عباد الله تعالي و سيدهم المصطفي الحبيب محمد بن عبدالله صلي الله عليه وآله و سلم: فاقتسبوا منه و ورثوا كل أخلاقه و سلوكياته التي عجز التاريخ منذ آدم الي يوم القيامة أن يجعل له قرينا.

و قد روي عن سلمي مولاة أبي جعفر الباقر عليه السلام قالت: كان يدخل عليه اخوانه فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب. و يلبسهم الثياب الحسنة. و يهب لهم الدراهم.

ثم قالت: فأقول له في بعض ما يصنع. فيقول عليه السلام: يا سلمي. ما يؤمل من الدنيا بعد المعارف و الاخوان.

و يروي عن الحسن بن كثير قال: شكوت الي أبي جعفر محمد



[ صفحه 217]



بن علي عليه السلام الحاجة و جفاء الاخوان. فقال عليه السلام: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا. و يقطعك فقيرا.

ثم أمر عليه السلام غلامه. فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم. فقال عليه السلام: استنفق هذه، فاذا نفذت فاعلمني.

الابن الأكبر: بالنسبة لقوله عليه السلام: بئس الأخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا. ينطبق عليه قول:



ان قل مالي فلا خل يصاحبني

و ان زاد مالي فكل الناس خلاني



الأب: اعلم يا ولدي. ان اختيار الصاحب و الصديق مهم جدا لأمور كثيرة. منها أن الصديق مرآة لصاحبه. أي انك ان أردت معرفة انسان. يمكنك معرفته من خلال معرفتك لصاحبه. و هذا ما ورد في الحديث النبوي الشريف: امتحنوا الناس باخوانهم [5] .

و قوله صلي الله عليه وآله و سلم: الصاحب رقعة في الثوب. فلينظر أحدكم بم يرقع ثوبته.

الابن الأكبر: ولكن كيف يمكن للمري ء أن يختار صديقه يا أبي؟

الأب: هناك خصال حميدة و أخري مذمومة سيئة. فمن كانت خصاله حميدة فهو المتأهل للمصاحبة و الصداقة. فمن قول لأميرالمؤمنين عليه السلام في هذا الخصوص:



فلا تصحب أخا الجهل

و اياك و اياه



فكم من جاهل أردي

حكيما حين آخاه



يقاس المرء بالمرء

اذا ما هو ماشاه



[ صفحه 218]



و قال عليه السلام أيضا:



فلا تصحبن الا تقيا مهذبا

عفيفا زكيا منجزا للمواعد



و قارن اذا قارنت حرا مؤدبا

فتي من بني الأحرار زين المشاهد



و كف الأذي واحفظ لسانك واتق

فديتك في ود الخليل المساعد



و كل صديق ليس في الله وده

فناد عليه هل به من زوائد



و من حديث لرسول الله صلي الله عليه وآله و سلم مروي عن آل البيت الأطهار قال صلي الله عليه وآله و سلم: أشد الأعمال ثلاثة: مواساة الاخوان في المال، و انصاف الناس من نفسك. و ذكر الله تعالي علي كل حال [6] .

و عن سليمان بن قرم قال: كان أبوجعفر محمد بن علي عليه السلام يجيزنا بالخمسمائة درهم الي الستمائة درهم الي الألف درهم. و كان لا يمل من صلة اخوانه و قاصديه و مؤمليه و راجيه.

و روي عن الحجاج بن ارطأة قال: قال أبوجعفر عليه السلام: يا حجاج. كيف تواسيكم؟ قلت: صالح يا أباجعفر. قال عليه السلام: يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته اذا احتاج اليه؟ قلت: أما هذا فلا. فقال عليه السلام: أما لو فعلتم ما احتجتم.

و عن عبدالله بن الوليد قال: قال لنا أبوجعفر عليه السلام يوما: أيدخل أحدكم يده كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قلنا: لا. قال عليه السلام: فلستم اخوانا كما تزعمون [7] .



[ صفحه 219]



و يروي عن عمرو بن دينار. و عبدالله بن عبيد بن عمير أنهما قالا: ما لقينا أباجعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام. ألا و حمل الينا النفقة و الصلة و الكسوة. و يقول: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني. كان عليه السلام كثيرا ما يقول: توقي الصرعة خير من سؤال الرجعة.

ثم قال الأب: أما مواعظ أبي جعفر الباقر عليه السلام. فقد روي عن حسين بن حسن قال: سلاح اللئام قبيح الكلام.

و روي عن الحسن بن صالح قال: سمعت أباجعفر محمد بن علي عليه السلام يقول: ما شيب شي ء بشي ء أحسن من حلم بعلم.

فقال الابن الأكبر: ان في طلب العلم وصايا كثيرة حدثتنا بها يا أبي منها عن النبي صلي الله عليه وآله و سلم و منها عن أميرالمؤمنين عليه السلام.

فقال الأب: ان الله تعالي حث علي طلب العلم يا ولدي. و قد قال تعالي في كتابه العزيز: (هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) [8] و كثيرا ما مثل الايمان و العلم في القرآن المجيد بكونهما النور و شبها بالبصر. فمن قول الله تعالي: (هل تستوي الظلمات و النور) [9] و قال تعالي: (هل يستوي الأعمي و البصير) [10] و قوله تعالي: (مثل الفريقين كالأعمي و الأصم و البصير و السميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) [11] .

ثم تابع الأب الحديث قائلا: و كان عليه السلام يقول: بلية الناس



[ صفحه 220]



علينا عظيمة. ان دعوناهم لم يستجيبوا لنا. و ان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.

و الي هذا كان الله تعالي قد أشار في كتابه العزيز بقوله تعالي: (انما أنت منذر و لكل قوم هاد) [12] حيث روي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: أنا المنذر و علي الهادي. و بك يا علي يهتدي المهتدون [13] .

ثم قال الأب: و روي أن الامام الباقر عليه السلام قال: ما دخل قلب أحد. شي ء من الكبر. الا نقص من عقله. مثل ما دخله. قل ذلك أو كثر.

فقال الابن الأوسط لأبيه: و ما هو الكبر يا أبي؟

الأب: هو أن يعظم المرء نفسه. و يراها فوق الغير. مما يجعله مترفعا علي غيره. و هذا يجره الي الكبر. و هي ضد التواضع. و قد قال تعالي:

(كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار) [14] .

و قال تعالي فيمن يحمل هذه الصفة المذمومة: (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين) [15] .

و قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. و قال صلي الله عليه وآله و سلم: بئس العبد. عبد تجبر و اعتدي.



[ صفحه 221]



و نسي الجبار الأعلي. بئس العبد. عبد تبختر و اختال. و نسي الكبير المتعال. بئس العبد. عبد غفل وسها. و نسي المقابر و البلي. بئس العبد. عبد عتا و بغي. و نسي المبدأ و المنتهي.

ثم قال الأب: و روي عن الأصمعي قال: قال محمد بن علي عليه السلام لابنه: يا بني. اياك و الكسل و الضجر. فانهما مفتاح كل شر. انك اذا كسلت لم تؤد حقا. و ان ضجرت لم تصبر علي حق.

و روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه الامام الباقر عليه السلام قال: اياكم و الخصومة. فانها تفسد القلب. و تورث النفاق.

و في رواية أن الامام الصادق عليه السلام قال: اياكم و الخصومة. فانها تشغل القلب. و تورث النفاق. و تكسب الضغائن.

و حينما سئل الامام الباقر عليه السلام كما روي عن عباد بن كثير البصري قال: قلت للباقر عليه السلام: ما حق المؤمن علي الله؟ قال عباد: فصرف عليه السلام وجهه. فسألته عنه ثلاثا؟ فقال عليه السلام: من حق المؤمن علي الله. ان لو قال لتلك النخلة: اقبلي. لأقبلت.

قال عباد: فنظرت و الله الي النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة. فأشار عليه السلام اليها: قري. لم أعنك.

و قال عليه السلام لابنه الصادق عليه السلام: ان الله خبأ ثلاث أشياء. في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته. فلا تحتقرن من الطاعة شيئا. فلعل رضاه فيه. و خبأ سخطه في معصيته. فلا تحقرن من المعصية شيئا. فلعل سخطه فيه. و خبأ أولياءه في خلقه. فلا تحقرن أحدا. فلعله ذلك الولي.



[ صفحه 222]



و في يوم كان عند الامام الباقر عليه السلام ناس من بني هاشم و غيرهم. فقال عليه السلام: اتقوا الله شيعة آل محمد. و كونوا النمرقة الوسطي. يرجع اليكم الغالي. و يلحق بكم التالي.

فقالوا: و ما الغالي؟ قال عليه السلام: الذي يقول فينا. ما لا نقوله في أنفسنا.

قالوا: فما التالي؟ قال عليه السلام: الذي يطلب الخير. فيريد به خيرا.

ثم قال عليه السلام: و الله. ما بيننا و بين الله قرابة. و لا لنا علي الله حجة. و لا نتقرب اليه الا بالطاعة. فمن كان منكم مطيعا لله. يعمل بطاعته. نفعته ولايتنا أهل البيت. و من كان منكم عاصيا لله. يعمل بمعاصيه لم تنفعه. ويحكم لا تفتروا.

فقال الابن الأكبر لأبيه: فما يكون أمر من كان مطيعا لله. و يعمل بطاعته. الا أن في نفسه شي ء من آل النبي؟

فقال الأب: انه يا ولدي لم يكن مطيعا لله أصلا. و لا يمكن أن نقول عنه أنه يعمل بطاعة الله. أتدري لماذا يا ولدي؟

فقال الابن لأبيه: لماذا يا أبي؟

قال الأب: لأنه لم يطع الله تعالي ما دام في نفسه شي ء من آل البيت. و قد قال الله تعالي: (يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين (119)).

و قد أكد علماء التفسير أن النبي صلي الله عليه وآله و سلم قال الصديقون ثلاثة:

حبيب النجار: مؤمن آل يس. قال يا قوم اتبعوا المرسلين.



[ صفحه 223]



و حزقيل: مؤمن آل فرعون. الذي قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله. و علي بن أبي طالب. و هو أفضلهم [16] .

و قال تعالي: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي...) [17] فأين مودته اذا.

و قال تعالي: (انما وليكم الله و رسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون (55) و من يتول الله و رسوله و الذين ءامنوا فان حزب الله هم الغالبون (56)) [18] .

و قد أجمع المفسرون انها نزلت في علي بن أبي طالب [19] .

و قال تعالي: (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم).

و قد سبق و أن تحدثنا عن الآية هذه. و هناك الكثير من الآيات غير ما ذكرنا. فأين طاعة الله تعالي. ما دام في نفسه شي ء من آل البيت.

و هناك جواب شاف يمكن أن نجده بوضوح في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري. حيث قال صلي الله عليه وآله و سلم:



[ صفحه 224]



يا علي. لو أن أمتي صاموا حتي يكووا كالحنايا. و صلوا حتي يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك. لأكبهم الله في النار [20] .

و هناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الخصوص. فأين طاعة الله تعالي اذا.

الابن الأكبر: انك تقول يا أبي أن هناك أحاديث كثيرة أخري في هذا الخصوص. فهل لك أن ترويها لنا. و لو قسما منها؟

الأب: نعم يا ولدي. فقد روي عن أبي هريرة. أن النبي صلي الله عليه وآله و سلم قال: لما خلق الله تعالي آدم أباالبشر و نفخ فيه من روحه. التفت آدم يمنة العرش. فاذا في النور خمسة أشباح سجدا و ركعا. قال آدم: هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال تعالي: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال تعالي: هؤلاء خمسة من ولدك. لولاهم ما خلقتك. هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي. لولا هم ما خلقت الجنة والنار. و لا العرش و لا الكرسي. و لا السماء و لا الأرض. و لا الملائكة و لا الأنس و لا الجن. فأنا المحمود و هذا محمد. و أنا العالي و هذا علي. و أنا الفاطر و هذه فاطمة. و أنا الاحسان و هذا الحسن. و أنا المحسن و هذا الحسين. أليت بعزتي. أن لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم. الا أدخلته ناري. و لا أبالي يا آدم. هؤلاء صفوتي. بهم أنجيهم. و بهم أهلكهم. فاذا كان لك الي حاجة فبهؤلاء توسل... [21] .



[ صفحه 225]



ثم قال الأب لابنه: أيكفي هذا الحديث أم ترغب في الزيادة؟

فقال الابن الأكبر: لا بالله يا أبي. اني أرغب في الزيادة.

فقال الأب: حسنا. يا بني. اسمع اذا: لقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله و سلم انه قال لعلي: يا علي. لو أن عبدا عبدالله عزوجل مثل ما قام نوح في قومه. و كان له مثل أحد ذهبا. فأنفقه في سبيل الله. و مد في عمره حتي حج ألف عام علي قدميه. ثم قتل بين الصفا و المروة مظلوما. ثم لم يوالك يا علي. لم يشم رائحة الجنة و لم يدخلها [22] .

و روي عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله و سلم قال: لو أن رجلا صفن بين الركن و المقام. فصلي و صام. ثم لقي الله و هو مبغض لأهل بيت محمد. دخل النار [23] .

ثم تابع الأب حديثه: لا يا ولدي لا تنفع المرء أية عبادة و أي بذل في سيل الله. و لا حتي الجهاد في سبيله. ان لم يرافق عمله ذلك حب آل بيت النبي الأطهار.

ثم تابع الأب حديثه قائلا: و روي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من كان مؤمنا فحج و عمل في ايمانه. ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب و آمن. قال عليه السلام: يحسب له كل عمل صالح في ايمانه. و لا يبطل منه شي ء [24] قال تعالي: (و اني لغفار لمن تاب و ءامن و عمل صالحا ثم اهتدي (82)). أي الي ولاية آل البيت عليه السلام.



[ صفحه 226]



و من حديث للباقر عليه السلام روي عن زرارة عن الامام عليه السلام قال: لهو المؤمن في ثلاثة أشياء: التمتع بالنساء. و مفاكهة الاخوان. و صلاة الليل [25] .

و من أحاديثه عليه السلام قال: كان الله و لا شي ء غيره. و لم يزل عالما بما يكون. فعلمه به قبل كونه. كعلمه به بعد كونه. (رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام).

و روي عنه عليه السلام أنه قال: ان الله خلو من خلقه. و خلقه خلو منه. و كلما وقع عليه اسم شي ء فهو مخلوق ما خلا الله (رواه الكليني في الكافي باسناده عن الباقر عليه السلام).

ثم قال الأب: و روي عن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي عليه السلام: يا جابر. اني لمحزون. و اني لمشتغل القلب. قلت: و ما حزنك؟ و ما شغل قلبك؟

قال عليه السلام: يا جابر. انه من دخل قلبه صافي خالص دين الله. شغله عما سواه.

يا جابر. ما الدنيا؟ و ما عسي أن تكون؟ أن هو الا مركب ركبته. أو ثوب لبسته. أو امرأة أصبتها.

يا جابر. ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا لبقاء فيها. و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم. و لم يصحهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة. و لم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من



[ صفحه 227]



الزينة. ففازوا بثواب الأبرار. و ان أهل التقي أيسر أهل الدنيا مؤونة. و أكثرهم لك معونة. ان نسيت ذكروك. و ان ذكرت أعانوك. قوالين بحق الله عزوجل. قوامين بأمر الله. قطعوا محبتهم لمحبة ربهم. و نظروا الي الله و الي محبته في قلوبهم. و توحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم. و علموا أن ذلك منظور اليه من شأنهم.

فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به و ارتحلت عنه. أو كما أصبته في منامك. فاستيقظت و ليس معك منه شي ء. احفظ الله ما استرعاك من دينه و حكمته.

و للزارع كانت من الامام الباقر عليه السلام موعظة و نصيحة. فقد روي عنه عليه السلام أنه قال: اذا أردت أن تلقي الحب في الأرض. فخذ قبضة من ذلك البذر. ثم استقبل القبلة. ثم قل: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. ثم تقول: لا. بل الله الزارع لا فلان (و تسمي باسم صاحبه). ثم قل: اللهم صل علي محمد و آل محمد. واجعله مباركا. و ارزقه السلامة و السرور و العافية و الغبطة [26] .

الابن الأكبر: ان قال الزارع كذلك فسيبارك له الله تعالي.

فقال الأب: الله يرزق الجميع ان شاء الله تعالي.

ثم قال الأب: نكتفي بذلك اليوم يا أبنائي.



[ صفحه 228]




پاورقي

[1] سورة النساء: الآية: 10.

[2] سورة البقرة: الآية: 275.

[3] سورة المؤمنون: الآية: 7 - 5.

[4] راجع سورة النور: الآية: 31 - 30. و راجع سورة المعارج: الآية: 29. و راجع سورة الأحزاب: الآية: 35.

[5] العقد الفريد: ج 1 ص 309.

[6] ذكر الأربلي في كشف الغمة ج 2 ص 345 أن الحجاج روي عن الامام أبي جعفر عليه السلام قال: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله علي كل حال و انصافك من نفسك و مواساة الأخ بالمال.

[7] ذكر الحديث: الأبي في نثر الدرر: قال عليه السلام يوما لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير؟ قالوا: لا. قال عليه السلام: فلستم اذا باخوان (راجع كشف الغمة ج 2 ص 360).

[8] سورة الزمر: الآية 9.

[9] سورة الرعد: الآية 16.

[10] سورة الرعد: الآية 16 أيضا.

[11] سورة هود: الآية 24.

[12] سورة الرعد: الآية 7.

[13] ينابيع المودة ص 99 و الفصول المهمة لابن الصباغ ص 232 من الكنز و تفسير الطبري ج 13 ص 103 و تفسير ابن كثير ج 2 ص 502.

[14] سورة غافر: الآية 35.

[15] سورة الزمر: الآية 72.

[16] الصواعق لابن حجر ص 125 و في طبعة أخري ص 90 تفسير الآية الخامسة. و الفضائل لابن حنبل ص 192. أخرج ذلك أبونعيم و ابن عساكر عن أبي ليلي.

[17] سورة الشوري: الآية 23.

[18] سورة المائدة: الآية 56 - 55.

[19] راجع مبحث الامامة من شرح التجريد و تفسير الطبري و الواحدي و مجاهد في أسباب النزول و تفسير الرازي و تفسير الخازن و نور الأبصار و غيرهم.

[20] راجع كفاية الكنجي ص 179 و شمس الأخبار للقرشي ص 33 و الفرايد للحموي الباب الأول و تاريخ ابن عساكر. و المناقب لابن المغازلي.

[21] أخرجه الحموي في الباب الأول من الفرايد. و روي قريبا منه الخوارزمي في المناقب ص 252.

[22] أخرجه الخوارزمي في المناقب ص 39.

[23] أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 149 و صححه الذهبي في تلخيصه.

[24] رواه الشيخ في التهذيب و ذكره السيد عبدالله شبر في مصابيح الأنوار ج 3 ص 171.

[25] رواه الشيخ في التهذيب ص 232 عن الصدوق في الخصال.

[26] كشف الغمة ج 3 ص 334.