بازگشت

الفاجعة بوفاته


حضر الأب الي داره هذا اليوم مبكرا أيضا. فحياه الجميع بسرور و غبطة. و دخلوا معه الغرفة. و جلس الأب في مكانه. و حف به أبناءه. فقال الأب لهم و هو مبتسم: أنتحدث بحديثنا الآن. أم ننتظر لنستريح قليلا؟

فقال الأبناء: علي راحتك يا أبي. و كما تشاء.

فقال الأب: حديثنا اليوم ليس بالسار يا أبنائي. لأنه سيدور حول الفاجعة التي تعرض لها أصحاب الامام الباقر بوفاته عليه السلام و الحزن الذي ملأ قلوب شيعته بفراقه.

و فجأة ضاعت الابتسامة من شفاه الأبناء. كما ضاعت كذلك من شفتي الأب. و اذا بالوجوه كلها قد تمثل الجد في تقاطيعها. و حتي العيون فقد اختفي بريقها الذي كانت عليه قبل قليل.

فقال الأب: ليست الفاجعة يا أبنائي سببها الموت. و انما كان سببها ما أدي الي الموت. و كما سبق و ان ذكرت لكم أن آل البيت النبوي الأطهار. ما مات أحدهم الا قتلا بالسيف أو بالسم. و هذا



[ صفحه 229]



ما حصل للامام الباقر عليه السلام. فقد خافه هشام بن عبدالملك. و ظن أنه سيأخذ الأمر منه. و ما كان ذلك في نية الامام عليه السلام. و لو كان في نيته ذلك. لما كرس حياته لتعليم المسلمين و توعيتهم و تربيتهم من دون أن يطلب من أحد نصره ان هو خرج علي الحاكم الجائر.

الابن الأكبر: و هل سمه هشام بن عبدالملك يا أبي؟ أم قتله بالسيف؟ أم ماذا؟

الأب: ان الامام الباقر عليه السلام مات مسموما. و قد ذكر ابن بابويه أن ذلك كان بأمر ابراهيم بن الوليد و كذا في اقبال ابن طاوي.

و قال آخرون أن ذلك كان بأمر هشام بن عبدالملك و هناك من قال ان ذلك كان بأمر عبدالملك و هذا مستبعد لأن عبدالملك كان قد مات. و كانت فترة الامام الباقر عليه السلام في ملك هشام بن عبدالملك [1] .

كانت وفاته عليه السلام سنة مائة و سبع عشرة (كما في كشف الغمة). و قيل كانت وفاته عليه السلام في ربيع الآخر سنة أربع عشرة و مائة للهجرة. و هو ابن خمس و خمسين سنة.

و دفن في البقيع (رواية ابن عنبة في عمدة الطالب). و قال غيرهم توفي سنة مائة و ثمان عشرة [2] .

الابن الأكبر: و هل أوصي الامام الباقر عليه السلام بشي ء يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي. و كيف لا يوصي؟



[ صفحه 230]



ثم تابع الأب حديثه قائلا: روي عن الامام أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: قال لي أبي ذات يوم في مرضه. يا بني. ادخل علي أناسا من قريش. من أهل المدينة. حتي أشهدهم.

قال عليه السلام: فادخلت عليه أناسا منهم. فقال الباقر عليه السلام: يا جعفر. اذا أنامت. فغسلني و كفني. و ارفع قبري أربع أصابع. و رشه بالماء. فلما خرجوا. قلت: يا ابتي. لو أمرتني بهذا صنعته، و لم ترد أن أدخل عليك قوما تشهدهم. فقال عليه السلام: يا بني. أردت أن لا تنازع.

و عن الامام الصادق عليه السلام قال: كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب. أحدها رداء له حبره. كان يصلي فيه يوم الجمعة. و ثوب آخر و قميص فقلت لأبي: لم تكتب هذا. فقال عليه السلام: أخاف أن يغلبك الناس. و ان قالوا: كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل. و عممني بعمامة [3] .

و عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كنت عند أبي محمد بن علي عليه السلام. في اليوم الذي قبض فيه. فأوصاني بأشياء في غسله و كفنه و في دخوله القبر. قال عليه السلام: فقلت: يا أبه. و الله. ما رأيتك مذ اشتكيت. أحسن هيئة منك اليوم. ما أري عليك أثر الموت. فقال عليه السلام: يا بني. أما سمعت علي بن الحسين عليه السلام ينادي من وراء الجدار: يا محمد. تعال عجل.

ثم تابع الأب حديثه قائلا: و قد ذكر الامام الباقر عليه السلام بما هو أهل له الكثير من العلماء. فقد قال فيه كمال الدين: هو باقر العلم



[ صفحه 231]



و جامعه. و شاهر علمه و رافعه. و متفوق دره و راضعه. و منمق دره و واضعه. صفا قلبه. و زكا عمله. و طهرت نفسه. و شرفت أخلاقه. و عمرت بطاعة الله أوقاته. و رسخت في مقام التقوي قدمه. و ظهرت عليه سمات الازدلاف و طهارة الاجتباء. فالمناقب تسبق اليه. و الصفات تشرف به.

و قال فيه الشيخ المفيد: و كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام. من بين أخوته. خليفة أبيه علي بن الحسين رحمه الله. و القائم بالامامة من بعده. و برز علي جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد. و كان أنبههم ذكرا. و أجلهم في العامة و الخاصة. و أعظمهم قدرا. و لم يظهر أحد من ولد الحسن و الحسين رحمه الله من علم الدين و الآثار و السنن. و علم القرآن و السيرة. و فنون الآداب. ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام.

و روي عنه معالم الدين دون بقايا الصحابة. و وجوه التابعين. و رؤساء فقهاء المسلمين. و صار بالفضل علما لأهله. نضرب به الأمثال. و تسير بوصفه الآثار و الأشعار.

و قال فيه الحافظ أبونعيم: و منهم الامام الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبوجعفر محمد بن علي الباقر.

و كان من سلالة النبوة. و جمع حسب الدين و الأبوة. و تكلم عليه السلام في العوارض و الخطرات. و سفح الدموع و العبرات. و نهي المراء و الخصومات. و قيل أن التصوف التعزز بالحضرة و التميز للخطرة.

و قال فيه علي بن عيسي الأربلي: فان مناقبه أكثر من أن يأتي الحصر عليها. و مزاياه أعلي من أن تتوجه الاحاطة بها اليها.



[ صفحه 232]



و مفاخره اذا أعددت خرت المفاخر و المحامد لديها. لأن شرفه عليه السلام تجاوز الحد. و بلغ النهاية. و جلال قدره استولي علي الأمد. و أدرك الغاية. و محله من العلم و العمل رفع له ألف راية.

و كم له من علامات سؤدد. و سيماء رياسة. و أية و سماحة و حماسة. و شرف منصب. و علو نسب. و فخر حسب. و طهارة أم و أب. و الأخذ من الكرم و الطهارة بأقوي سبب.

لو طال السماء لطالها. أو رام الكواكب في أوجها لنالها. أو حاكمت سيادته عند موفق لقضي لها. اذا اقتسمت قداح المجد كان له معلاها. أو قسمت غنائم السمو و الرفعة كان له مرباعها و صفاياها. أو أجريت جياد السيادة كان له سابقها. أو جوريت مناقبه قصر طالبها. و وني لا حقها.

يقصر لسان البليغ في مضمار مآثره. و يظهر عجز الجليد عن عد مفاخره.

الأصل طاهر كما عرفت. و الفرع زاهر كما وصفت. و فوق ما وصفت. ولده من بعده مشكاة الأنوار. و مصابيح الظلام. و عصر الأنام. و منتجع العافين اذا اجدب العام. و العروة الوثقي لذوي الاعتصام. و الملجأ اذا نبذ العهد و خفر الذمام. و الموئل الذين بولايتهم و محبتهم يصح الاسلام. و الملاذ اذا عرم الزمان و تنكر الأقوام. و الوزر الذين تحط بهم الأوزار. و تغفر الآثام.

اللهم صل عليهم صلاة تزيدهم بها شرفا و مجدا. و توليهم بها فوق رفدك رفدا. و تثبت لهم في كل قلب ودا. و علي كل مكلف عهدا. فانهم عليه السلام عبادك الذين اقتفوا آثار نبيك. و انتهجوا و سلكوا سبيلك الذي أمرتهم به فما عرجوا. و طاب لهم السري في ليل



[ صفحه 233]



طاعتك و عبادتك فادجلوا لا يأخذهم فيما أمرتهم به فتور. و لا يعتريهم كلال و لا قصور. نهارهم صيام. و ليلهم قيام. وجودهم وافر كثير. و برهم زايد غزير. و فضلهم شايع شهير.

لا يجاريهم مجار. و لا يلحق عفو سعيهم سار. و لا يماري في سؤددهم ممار...

ثم قال الأب لأبنائه: و توفي الامام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام. و كانت وفاته عليه السلام مؤلمة للجميع. و محزنة لهم. الا أن الله جل جلاله قد عوضهم بالصادق ابنه عليه السلام. فكان للمسلمين كأبيه. ليس اماما فحسب. و انما أخا للكبير منهم. و أبا للصغير. تفقدهم كما تفقدهم أباه. و أعانهم كما كان أبوه يفعل. و نصح لهم و حاشاه من التقصير.

فقال الابن الأكبر: و هل للامام الباقر عليه السلام ابنا واحدا فقط يا أبي؟

الأب: لا يا ولدي. فقد كان له عليه السلام من الأبناء البنين أربعة كما روي أبونصر البخاري في سر السلسلة. و هم في رواية العمري في المجدي:

الامام جعفر الصادق عليه السلام.

و عبدالله.

و علي.

و زيد.

و عبيدالله بن الثقفية.



[ صفحه 234]



الابن الأكبر: و هل كان لأبنائه أبناء يا أبي؟

الأب: لم يعقب من أبناء الامام محمد الباقر عليه السلام سوي الامام جعفر الصادق عليه السلام. فمن انتسب لغير الصادق عليه السلام فنسبه غير صحيح [4] .

الابن الأكبر: و هل كان للامام الباقر عليه السلام بنات يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي كان له من البنات اثنين هما أم سلمة و زينب الصغري.

الابن الأكبر: و هل تحدثنا عن الامام جعفر الصادق يا أبي؟

الأب: نعم يا ولدي سنتحدث عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام. ولكن ليس اليوم. و انما في الأيام القادمة ان شاء الله تعالي.

فقال الأبناء: ان شاء الله.


پاورقي

[1] ذكر ذلك صاحب عمدة الطالب ص 195.

[2] راجع كشف الغمة ج 2 ص 332.

[3] رواه الكليني في الكافي.

[4] راجع عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 195 و كتابنا أنساب آل البشير طبع دار الهادي بيروت.