بازگشت

في حالات ابي جعفر و ما ورد عليه من الأعداء




فروع رسول الله أصل غصونها

و ايكتها طوبي و للغرس غارس



عليهم لأجلال النبوة هيبة

يشار اليهم و الرؤوس نواكس



و قد توجوا بالعلم و استودعوا الهدي

بهم تحسن الدنيا و تزهو المجالس



ينابيع علم يستفيض بحكمة

هداة اذا ما جاء للعلم قابس



نجوم و أعلام اذا غاب آفل

أنار لنا نجم و أشرق دامس



قال الله تبارك و تعالي و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر في «بعض التفاسير» النجوم هم الأئمة (ع) و يؤيد مما قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم كما قال الشاعر:



نجوم و أعلام اذا غاب آفل

انار لنا نجم و اشرق دامس



يعني اذا غاب أحد منهم جلس الآخر مقامه و قام بامر الخلافة لأن الارض لا تخلو من حجة الله علي الخلق فكما ان الخلق يستضيئون بضوء النجوم و يقطعون بها ظلمات البحر و البر فكذلك يستضيئون بشعاع أنوار الأئمة و يهتدون بهديهم و يقتبسون من اضواء علومهم و لولا هم لكان الناس



[ صفحه 60]



في حيرة و ضلالة و لم يهتدوا بغبرهم من أتاكم فقد نجا و من تخلف عنكم فقد هلك و كان الباقر (ع) يقول بلية الناس علينا عظيمة ان دعوناهم لم يستجيبوا لنا و ان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا ما ينقم الناس منا نحن أهل بيت الرحمة و شجرة النبوة و معدن الحكمة و موضع الملائكة و مهبط الوحي و الأئمة الذين هم اوصياء رسول الله (ص) عددهم عدد شهور السنة و عدد نقباء بني اسرائيل و هم اثناعشر اماما علي و ابناه الحسن و الحسين عليهم السلام و تسعة من صلب الحسين (ع) أولهم زين العابدين علي بن الحسين ثم ابوجعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين (ع) الذي كنا في ذكر حالاته و معاجزه و معالي اموره ففي هذا المجلس تذكر شيئا مما ورد عليه من المصائب و النوائب و الصدمات والاذيات للؤلمات قال الصادق (ع) حج هشام بن عبدالملك في سنة من السنين و حج في تلك السنة ابومحمد بن علي الباقر (ع) فخطب في الناس و قال في خطبته الحمدلله الذي بعث محمدا بالحق نبيا و أكرمنا به فنحن صفوة الله علي خلقه و خيرته من عباده و خلفاؤه فالسعيد من اتبعنا و الشقي من عادانا و خالفنا فاخبر بذلك هشام لعنه الله فغضب غضبا شديدا ولكن لم يتعرض هناك فلما انصرف الي دمشق و انصرفنا الي المدينة انقذ بريدا الي عامل المدينة باشخاص ابي و اشخاصي الي دمشق فلما وردنا دمشق حجبنا هشام لعنه الله ثلاثة أيام فلم يأذن لنا و في اليوم الرابع أذن لنا فلما صرنا ببابه قال اللعين لأصحابه اذا سكت انا من توبيخ ابي جعفر فلتوبخوه انتم ثم أمر ان يؤذن له فلما دخل عليه ابوجعفر (ع) قال السلام عليكم و عمهم بالسلام جميعا ثم جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام عليه بالخلافة و جلوسه بغير اذنه فقال يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق



[ صفحه 61]



عصا المسلمين و دعا الي نفسه و زعم انه الامام سفها منه بغير علم و جعل يونجه فلما سكت أقبل القوم رجل بعد رجل يونجه فلما سكت القوم نهض الامام قائما و قال أيها الناس أين تذهبون و أين يراد بكم بنا هدي الله اولكم و بنا يختم آخركم فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول الله عزوجل (و العاقبة للمتقين) فأمر هشام به الي الحبس فلما صار الامام الي الحبس تكلم لم يبق في الحبس رجل الا ترشقه و حن اليه فجاء صاحب الحبس الي هشام و اخبره بخبره فامر به فاخرج من الحبس و قال ائتوني به و ادخلوه علي قال الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) فلما دخلنا عليه فاذا هو قاعد علي سرير الملك و جنده و خاصته وقوف علي ارجلهم سماطان متسلحان و قد نصب البرجاس حذاه و اشياخ قومه يرمون فلما دخلنا و ابي أمامي و أنا خلفه فنادي ابي و قال يا محمد ارم مع اشياخ قومك الغرض فقال (ع) له اني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت ان تعفيني فقال و حق من أعزنا بدينه و نبيه محمد صلي الله عليه و آله لا اعفيك ثم اومأ الي شيخ من بني امية ان اعطه قوسك فتناول ابي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع و رمي وسط الغرض فنصبه فيه ثم رمي فيه الثانية فشق فواق سهمه الي نصله ثم تابع الرمي حتي شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك الي ان قال أجدت يا أباجعفر و أنت ارمي العرب و العجم هلا زعمت انك كبرت عن الرمي ثم أدركته ندامة علي ما قال قال الصادق عليه السلام و كان هشام لم يكن أحل قتل ابي و لا بعده في خلافته فهم به و اطرق الي الارض اطراقة يتروي فشيه و أنا و أبي واقفان حذاه مواجهان



[ صفحه 62]



له فلما وقوفنا غضب ابي فهم به و كان ابي اذا غضب نظر الي السماء نظر غضبان يري الناظر الغضب في وجهه فلما نظر هشام الي ذلك من ابي قال له يا محمد الي الي فصعد ابي علي السرير و أنا اتبعه فلما دنا من هشام قام اليه و اعتنقه واقعده عن يمينه ثم اعتنقني واقعدني عن يمين ابي ثم اقبل عليه بوجهه فقال له يا محمد لا تزال العرب و العجم يسودها قريش مادام فيهم مثلك و لله درك من علمك هذا الرمي و في كم تعلمته فقال ابي قد علمت ان أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثني ثم تركته فلما أراد أميرالمؤمنين مني ذلك عدت اليه فقال له ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت و ما ظننت ان في الارض احدا يرمي مثل هذا الرمي ايرمي جعفر مثل رميك فقال انا نحن نتوارث الكمال و التمام الذين انزلهما الله علي نبيه (ص) في قوله (اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) و الارض لا تخلو ممن يكمل هذه الامور التي يقصر غيرنا عنها قال فلما سمع ذلك من ابي انقلبت عينه اليمني فاحولت و احمر وجهه و كان ذلك علامة غضبه اذا غضب ثم اطرق هنيئة ثم رفع رأسه و سأل سؤالات و استشكل اشكالات و الامام (ع) أجاب عنها و القصة طويلة فليراجع في محله وكان من شأنهما ما كان الي ان اطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال سل حاجتك فقال خلقت عيالي و أهلي مستوحشين لخروجي فقال قد أنس الله وحشتهم برجوعك اليهم و لا تقم سر من يومك فاعتنقه ابي و دعا له و فعلت أنا كفعل ابي ثم نهض و نهضت معه و ودعناه و خرجنا الي بابه فامر به فحمل علي البريد هو و اصحابه ليردوا الي المدينة و أمر اللعين ان لا تخرج الأسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب فساروا ثلاثا لايجدون طعاما و لا شرابا حتي انتهوا



[ صفحه 63]



الي (مدين) و ارسل هشام من عنده رسولا علي طريقه الي المدينة و اشاع في الناس بان ابني ابي تراب الساحرين محمد بن علي و جعفر بن محمد الكذابين ما لا الي النصرانية و انحرفا عن الاسلام الي الكفر و تقربا الي القسيسين و الرهبانيين و يقول أميرالمؤمنين برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فانهما قد ارتدا عن الاسلام و رأي أميرالمؤمنين ان يقتلها و دوابهما و غلمانهما و من معهما شر قتلة قال فورد البريد الي مدينة مدين يقول الصادق (ع) فلما شارفنا مدينة مدين قدم ابي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا و يشروا لدوابنا علفا و لنا طعاما فلما قرب غلماننا من باب مدينة مدين اغلقوا الباب في وجوهنا و شتمونا و شتموا عليا و قالوا لا نزول لكم عندنا و لا شراء و لا بيع يا كفار يا مشركون يا مرتدون يا كذابون يا شر الخلايق اجمعين فوقف غلماننا علي الباب حتي انتهينا اليهم فكلهم ابي و لين لهم القول و قال لهم اتقوا الله و لا تغلظوا فلسنا كما بلغكم و لا نحن كما يقولون و هبنا كما يقولون افتحوا لنا الباب و شارونا و بايعونا كما تشارون و تبايعون اليهود و النصاري و المجوس فقالوا انتم شر من اليهود و النصاري و المجوس لأن هؤلاء يؤدون الجزية و انتم ما تؤدون فقال لهم ابي افتحوا لنا الباب و انزلونا و خذوا منا الجزية كما تأخذون منهم فقالوا لا نفتح و لا كرامة لكم حتي تموتوا علي ظهور دوابكم جياعا أو تموت دوابكم تحتكم فوعظهم ابي فازدادوا عتوا و نشوزا قال الصادق (ع) فثني ابي رجله عن سرجه ثم قال لي مكانك يا جعفر لا تبرح ثم صعد الجبل و اشرف علي مدينة مدين و هم ينظرون اليه ما يصنع فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة و وضع اصبعيه في اذنيه ثم نادي بأعلي صوته و الي (مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم





[ صفحه 64]



من اله غيره و لا تنقصوا المكيال و الميزان اني اريكم بخير و اني اخاف عليكم عذاب يوم محيط و يا قوم اوفوا المكيال و الميزان و لا تنجسوا الناس اشياءهم و لا تعثوا في الارض مفسدين بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) ثم قال نحن و الله بقية الله في الارض فامر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت و احتملت صوت ابي فطرحته في اسماع الرجال و الصبيان و النساء فما بقي احد منهم الا و صعد السطوح و ابي مشرف عليهم و صعد فيمن صعد شيخ كبير السن فنظر الي ابي علي الجبل فنادي بأعلي صوته اتقوا الله يا أهل مدين فانه قد وقف ابن رسول الله (ص) الموقف الذي وقف فيه شعيب (ع) حين دعا علي قومه فان انتم لم تفتحوا له الباب و لم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فاني اخاف عليكم و قد اعذر من انذر فلامهم و وبخهم و عيرهم فارتدعوا و خافوا و فزعوا و اقبلوا يعتذرون و فتحوا الباب و انزلونا فارتحلنا في اليوم الثاني و كتب جميع ذلك الي هشام لعنه الله فكتب هشام الي عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله و كتب الي عامل المدينة ان يحتال في سم ابي في طعام أو شراب و في رواية بعث اليه بسرج قد عمل فيه السم علي يدي زيد ابن الحسن السبط و كان زيد يخاصم الباقر (ع) في ميراث رسول الله (ص) و يقول له قاسمي ميراث رسول الله (ص) لأني من ولد الحسن و اولي بذلك منك و أنا من ولد الاكبر و جري بينهما ما جري حتي خرج زيد الي الشام و دخل علي هشام فسأله هشام من أين اقبلت قال زيد اتيتك من عند ساحر كذاب لا يحل لك تركه فاستشاط غضبا و هم بقتل الامام وصنع ما صنع حتي سم امامنا الباقر (ع) و وقع في فراشه متورم الجسد عن ابني يصير قال سمعت الصادق (ع) يقول ان ابي مرض مرضا شديدا حتي خفنا



[ صفحه 65]



عليه فبكي رأسه بعض اصحابه فنظر اليه و قال اني لست بميت في وجعي هذا قال فبره و مكث ماشاءالله من السنين فبين ما هو صحيح ليس به بأس فقال يا بني اني ميت يوم كذا فمات في ذلك اليوم فلما سم مرض و عاش بعد ذلك ثلاثة أيام فلما كانت ليلة وفاته جعل يناجي و به قال الصادق (ع) ما داني أبي بعد فراغه من مناجاته و قال يا بني ان هذه الليلة التي اقبض فيها لأني سمعت صوت ابي زين العابدين (ع) ناداني من وراء الجدار يا محمد تعال عجل و اناني بشراب و قال اشرب هذا اقول و نودي الحسين (ع) ايضا في يوم عاشوراء بمثل هذا النداء و جي ء بشراب ليشرب بمثل هذا الشراب كما قال شبيه رسول الله (ص) علي الأكبر (ع) لما سقط من علي ظهر جراده نادي يا أبه هذا جدي قد سقاني بكأسه الا و في شربة لا اظمأ بعدها ابدا و ان لك كأسا مذخورة تشربها الساعة و هو يقرؤك السلام و يقول لك العجل ثم ان الباقر (ع) اوصي بجميع وصاياه لولده و قال ولدي اذا أنا قضيت نجي فغسلني و حنطني و كفني في ثلاثة اثواب احدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة و ثوب آخر و قميص و عممني بعمامة و ليس تعد العمامة من الكفن يكفن الباقر (ع) في ثلاثة أثواب أو اربع و الحسين (ع) دفن بلا كفن.



غسلته دماؤه قلبته ارجل

الخيل كفنته الرمول



و مما اوصي به الباقر (ع) ان قال ولدي جعفر اوقف لي من مالي كذا و كذا النوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني الحسين (ع) اوصي بان تندبه شيعته و قال:



شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني



[ صفحه 66]



فلما اكمل وصيته تهيأ للقاء ربه غمض عينيه و مد يديه و رجليه عرق جبينه و سكن انينه و فارقت روحه الطيبة فقام الصادق (ع) لتجهيزه فغسله و حنطه و كفنه و صلي عليه قيل ان رجلا كان علي أميال من المدينة فرأي في منامه قيل له انطلق و صل علي ابي جعفر الباقر (ع) فان الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أباجعفر قد توفي فوقف حتي صلي عليه ثم ان الصادق (ع) بعد ما صلي عليه دفنه عند والده زين العابدين (ع) و رثاه زيد بن علي بن الحسين (ع)



ثوي باقر العلم في ملحد

اما الوري طيب المولد



فمن لي سوي جعفر بعده

امام الوري الأوحد الأمجد



أباجعفر الخير أنت الأمام

و أنت المرجي لبلوي غد



و الآخر يقول:



اذا غاب بدر الدحي فانظرن

الي ابن النبي ابي جعفر



تري خلفا منه يرزي به

وبا لفرقدين و بالمشثري



امام ولكن بلا شيعة

و لا بمصلي و لا منبر



توفي ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة اربع عشرة و مائة و له سبع و خمسون سنة و قبره في البقيع مع والده و عمه الحسن (ع) في القبة التي فيها العباس و اوصي بل و كتب ان يكفن في ثلاثة اثواب و ان يرفع قبره و يرفع اربعة اصابع و اوصي بثمان مائة درهم لمأته و كان يري ذلك من السنة لأن رسول الله (ص) قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا نعم اتخاذ الطعام للمصابين سنة و لا سيما أيام اشتغالهم بالبكاء علي فقيدهم و أهل الكوفة أرادوا ان يعملوا بهذه



[ صفحه 67]



السنة حيث اطعموا آل الرسول و أيتام ابي عبدالله (ع) بعض التمر و الخبز و الجوز و ههنا نختم ما يتعلق بامامنا الباقر عليه السلام و له كلمات شريفة و مواعظ لطيفة قد اوردت بعضا منها بقدر هذا المختصر منها قال (ع) الكمال كل الكمال التفقه في الدين و الصبر علي النائبة و تقدير المعيشة و قال (ع) من لم يجعل الله له في نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا و قال (ع) لجابر الجعفي اغتنم من أهل زمانك خمسا ان حضرت لم تعرف و ان غبت لم تفتقد و ان شهدت لم تشاور و ان قلت لم يقبل قولك و ان خطبت لم تتزوج و قال (ع) الحياء و الايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب احدهما تبعهما صاحبه و قال لبعض شيعته و قد أراد سفرا فقال (ع) لما قال له اوصني فقال تسيرن سيرا و انت حاف و لا تنزلن عن دابتك ليلا الا و رجلاك في خف و لا تبولن في نفق و لا تذوقن بقلة و لا تشمها حتي تعلم ما هي و لا تشرب من سقاء حتي تعرف ما فيه و لا تسيرن الا مع من تعرف و احذر من لا تعرف و قال (ع) من اعطي الخلق و الرفق فقد اعطي الخير و الراحة و حسن حاله في دنياه و آخرته و من حرم الخلق و الرفق كان ذلك سبيلا الي كل شر و بلية الا من عصمه الله.

(بيان) قرن حبل واحد يشد به. بعيران الخف النعال. النفق الثقب الذي في الارض السقاء القربة.