بازگشت

ذكر الامام الخامس ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالب


قال كمال الدين: هو باقر العلم و جامعه، و شاهر علمه و رافعه، و متفوق دره و راضعه، و منمق دره و واضعه، صفا قلبه و زكا عمله، و طهرت نفسه، و شرفت أخلاقه، و عمرت بطاعة الله أوقاته، و رسخت في مقام التقوي قدمه، و ظهرت عليه سمات الازدلاف و طهارة الاجتباء، فالمناقب تسبق اليه، و الصفات تشرف به.

فأما ولادته عليه السلام فبالمدينة في ثالث صفر سنة سبع و خمسين للهجرة قبل قتل جده الحسين بثلاث سنين، و قيل غير ذلك.

فأما نسبه أبا و أما؛ فأبوه زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام، و أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب و تدعي أم الحسن، و قيل: أم عبدالله.

و أما اسمه فمحمد و كنيته أبوجعفر، و له ثلاث ألقاب: باقر العلم، و الشاكر، و الهادي، و أشهرها الباقر، و سمي بذلك لتبقره في العلم و هو توسعه فيه.

و أما مناقبه الحميدة و صفاته الجميلة فكثيرة:

منها: قال أفلح مولي أبي جعفر قال: خرجت مع محمد بن علي حاجا، فلما دخل المسجد نظر الي البيت فبكي حتي علا صوته، فقلت: بأبي أنت و أمي، ان الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا؟ فقال لي: ويحك يا أفلح و لم لا أبكي لعل الله تعالي أن ينظر الي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا، قال: ثم طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام، فرفع رأسه من سجوده فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه.

و كان اذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني.

و قال عبدالله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر، و لقد رأيت الحكم [1] عنده كأنه متعلم.



[ صفحه 659]



و روي عنه ولده جعفر عليهماالسلام قال: كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم أئتمر، و نهيتني فلم أنزجر، فها أنا عبدك بين يديك و لا أعتذر.

و قال جعفر: فقد أبي بغلة له، فقال: لئن ردها الله تعالي لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أتي بها بسرجها و لجامها، فلما استوي عليها و ضم اليه ثيابه رفع رأسه الي السماء فقال: الحمدلله، فلم يزد ثم قال: ما تركت و لا بقيت شيئا، جعلت كل أنواع المحامد لله عزوجل، فما من حمد الا و هو داخل فيما قلت.

أقول: صدق و بر عليه السلام فان الألف و اللام في قوله: الحمدلله يستغرق الجنس، و تفرده تعالي بالحمد.

و نقل عنه عليه السلام أنه قال: ما من عبادة أفضل من عفة بطن و فرج، و ما من شي ء أحب الي الله من أن يسأل، و لا يدفع القضاء الا الدعاء، و ان أسرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يفعله، و أن ينهي الناس عما لا يستطيع التحول عنه و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

و قال عبدالله بن الوليد: قال لنا أبوجعفر يوما: أيدخل أحدكم يده كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قلنا: لا، قال: فلستم اخوانا كما تزعمون.

و قالت سلمي مولاة أبي جعفر: كان يدخل عليه اخوانه فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب، و يكسوهم الثياب الحسنة، و يهب لهم الدراهم، فأقول له في ذلك ليقل منه، فيقول: يا سلمي ما حسنة الدنيا الا صلة الاخوان و المعارف.

و كان عليه السلام يجيز بخمسمأة و الستمأة الي الألف، و كان لا يمل من مجالسة اخوانه.

و قال الأسود بن كثير: شكوت الي أبي جعفر الحاجة و جفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم، فقال: استنفق هذه فاذا فرغت فاعلمني.

و قال: اعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك.

و نقل عن ابن الزبير محمد بن مسلم المكي أنه قال: كنا عند جابر بن عبدالله فأتاه علي بن الحسين و معه ابنه محمد و هو صبي، فقال علي لابنه: قبل رأس عمك، فدنا محمد بن علي من جابر فقبل رأسه، فقال جابر: من هذا؟ و كان قد كف بصره،



[ صفحه 660]



فقال له علي: هذا ابني محمد، فضمه جابر اليه و قال: يا محمد، محمد رسول الله يقرأ عليك السلام، فقالوا الجابر: كيف ذلك يا أباعبدالله؟ فقال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الحسين في حجره و هو يلاعبه، فقال: يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي، اذا كان يوم القيامة نادي مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين، و يولد لعلي ابن يقال له محمد، يا جابر ان رأيته فاقرأة مني السلام، و اعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير، فلم يعش جابر بعد ذلك الا قليلا و مات، و هذه و ان كانت منقبة واحدة فهي عظيمة تعادل جملا من المناقب.

و أما أولاده: فكان له ثلاثة من الذكور و بنت واحدة، و أسماء أولاده: جعفر و هو الصادق، و عبدالله، و ابراهيم، و أم سلمة، و قيل: كان أولاده أكثر من ذلك.

و نقل الثعلبي في تفسيره و ان الباقر عليه السلام كان قد نقش علي خاتمه هذه: «ظني بالله حسن، و بالنبي المؤتمن، و بالوصي ذي المنن، و بالحسين و الحسن» رواها في تفسيره بسنده متصلا الي ابنه الصادق عليه السلام.

و أما عمره: فانه مات في سنة سبع عشرة و مائة، و قيل غير ذلك، و قد نيف علي الستين، و قيل غير ذلك، أقام مع أبيه زين العابدين عليهماالسلام بضعا و ثلاثين سنة من عمره، و قبره بالمدينة بالبقيع بالقبر الذي فيه أبوه و عم أبيه الحسن، بالقبة التي فيها العباس رضي الله عنه، و قد تقدم ذكر ذلك (آخر كلام كمال الدين رحمه الله).

و قال الحافظ عبدالعزيز الجنابذي: أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم الباقر، و أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي ابن أبي طالب، و أمها [2] أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه و كان كثير العلم.

و عن جعفر بن محمد قال: سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت الحسين شيئا من صدقة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: هذه توفي لي ثمان و خمسين سنة و مات فيها.

و قال محمد بن عمرو: أما في روايتنا فانه مات سنة سبع عشرة و مائة، و هو ابن



[ صفحه 661]



ثمان و سبعين سنة، و قال غيره: توفي سنة ثمان عشرة و مائة.

و قال أبونعيم الفضل بن دكين: توفي بالمدينة سنة أربع عشرة و مائة.

و قال محمد بن سعيد عن ليث عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أصحاب الخصومات فانهم الذين يخوضون في آيات الله.

و عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: أنت ابن خير البرية و جدك سيد شباب أهل الجنة وجدتك سيدة نساء العالمين.

و عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام قال: دخل علي جابر و أنا في الكتاب، فقال لي: أكشف عن بطنك، فكشفت له فألصق بطنه ببطني و قال: أمرني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقرأك السلام.

و عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قتل علي عليه السلام و هو ابن ثمان و خمسين سنة، و قتل الحسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة، و مات علي بن الحسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة، و أنا اليوم ابن ثمان و خمسين سنة.

و عن عمرو بن خالد قال: حدثني زيد بن علي و هو آخذ بشعره، عن علي بن الحسين و هو آخذ بشعره، عن الحسين بن علي و هو آخذ بشعره، قال: من آذي شعرة مني فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله، و من آذي الله تعالي لعنه الله مل ء السماوات و الأرض.

و عن الحكم بن عيينة في قوله تعالي: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين) [3] قال: كان و الله محمد بن علي منهم.

و عن سلمي مولاة أبي جعفر قالت: كان يدخل عليه اخوانه فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب، و يلبسهم الثياب الحسنة، و يهب لهم الدراهم قالت: فأقول له في بعض ما يصنع فيقول: يا سلمي ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف و الاخوان.

و عن الأسود بن كثير و قد تقدمت و فيه فاذا نفذت فاعلمني.

و عن الحجاج بن أرطاة قال: قال أبوجعفر: يا حجاج كيف تواسيكم؟ قلت: صالح يا أباجعفر، قال: يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته اذا احتاج اليه؟



[ صفحه 662]



قلت: أما هذا فلا، فقال: أما لو فعلتم ما احتجتم.

عن أبي حمزة الثمالي قال: حدثني أبوجعفر محمد بن علي عليهماالسلام قال: لا تصحبن خمسة و لا تحادثهم و لا تصاحبهم في طريق، و قد سبق ذكره في أخبار أبيه عليه السلام.

و عن حسين بن حسن قال: كان محمد بن علي يقول: سلاح اللئام قبيح الكلام.

و عن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر اني لمحزون و اني لمشتغل القلب، قلت: و ما حزنك و ما شغل قلبك؟ قال: يا جابر انه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا و ما عسي أن يكون؟ ان هو الا مركب ركبته، أو ثوب لبسته، أو أمرأة أصبتها، يا جابر، ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا لبقاء فيها، و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، و لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، و لم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار، و ان أهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤنة، و أكثرهم لك معونة، ان نسيت ذكروك و ان ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله عزوجل، قوامين بأمر الله، قطعوا محبتهم لمحبة ربهم، و نظروا الي الله و الي محبته بقلوبهم، و توحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم، و عملوا أن ذلك منظور اليه من شأنهم، فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به و ارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شي ء، احفظ الله ما استرعاك من دينه و حكمته.

قلت: قوله عليه السلام: «فأنزل الدنيا» هو معني قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما لي و للدنيا، انما مثلي و مثل الدنيا كراكب قال [4] تحت شجرة ساعة ثم فارقها و مضي، و منبع الكلامين واحد، و هذا الولد من ذلك الوالد.

و روي عن أبي جعفر بسنده رفعه اليه قال: اذا أردت أن تلقي الحب في الأرض فخذ قبضة من ذلك البذر، ثم استقبل القبلة، ثم قل: (أفرأيتم ما تحرثون - أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) ثم تقول: لا بل الله الزارع لا فلان و تسمي باسم صاحبه، ثم قل: اللهم صل علي محمد و آل محمد و اجعله مباركا و ارزقه السلامة و السرور و العافية و الغبطة، ثم ابذر البذر الذي بيدك و ساير البذر.



[ صفحه 663]



و عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبدالله قال: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: كان فيما أعطي الله عزوجل موسي عليه السلام في الألواح الأول، اشكر لي و لوالديك أقيك المتأنف و أنسي ء لك في عمرك، و أحيك حياة طيبة، و أقلبك الي خير منها (آخر كلامه الذي أوردته).


پاورقي

[1] الظاهر أنه حكم بن عتيبة الكندي المتوفي سنة 113 الآتي ذكره فانه الذي مدحوه بكثرة العلم و الفقاهة. قال ابن حجر و قال مجاهد: رأيت الحكم في مسجد الخيف و علماء الناس عيال عليه، و قال جرير عن مغيرة: كان الحكم اذا قدم المدينة خلوا له سارية النبي صلي الله عليه و آله و سلم يصلي اليها، و قال ابن عيينة: ما كان بالكوفة بعد ابراهيم و الشعبي مثل الحكم و حماد الي غير ذلك مما قالوا في حقه.

[2] كذا في النسخ و توافقها نسخة البحار أيضا. و الظاهر وقوع سقط في الكلام و كأن الصحيح كما في الارشاد و اعلام الوري ]و أولاده أبوعبدالله جعفر بن محمد و عبدالله بن محمد و أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر[ اه فان أم فروة زوجته أم جعفر بن محمد عليه السلام و يأتي ايضا في الكتاب.

[3] الحجر: 75.

[4] من القيلولة.