بازگشت

و اما اولاده و...


قال الشيخ المفيد رحمه الله في ارشاده: باب ذكر الامام القائم بعد علي بن الحسين عليهماالسلام و تاريخ مولده و دلائل امامته و مبلغ سنه و مدة خلافته و وقت وفاته و سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره.

و كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام من بين اخوته خليفة أبيه علي بن الحسين عليه السلام، و القائم بالامامة من بعده، و برز علي جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا، و أجلهم في العامة و الخاصة، و أعظمهم قدرا، و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من علم الدين و الآثار و السنن و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام.

و روي عنه معالم الدين دون بقايا الصحابة و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل علما لأهله تضرب به الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار، و فيه يقول القرطي:



يا باقر العلم لأهل التقي

و خير من لبي علي الأجبل



و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه عليه السلام من قصيدة:



اذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا



و ان قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعا طوالا



نجوم تهلل للمدلجين

جبال تورث علما جبالا



و ولد عليه السلام بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة، و قبض عليه السلام بها سنة أربع عشرة و مائة، و سنه يومئذ سبع و خمسون سنة، و هو هاشمي من هاشميين علوي من علويين [1] ، و قبره بالبقيع من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

و روي ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبيه عليهم السلام قال: دخلت علي جابر بن عبدالله رحمة الله عليه، فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي: من



[ صفحه 664]



أنت؟ و ذلك بعد ما كف بصره، فقلت: محمد بن علي، فقال: يا بني أدن مني، فدنوت منه، فقبل يدي ثم أهوي الي رجلي ليقبلها فتنحيت عنه، فقال لي: ان رسول الله يقرؤك السلام، فقلت: و علي رسول الله السلام و رحمة الله و بركاته، و كيف ذلك يا جابر؟ فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلك أن تبقي الي أن تلقي [2] رجلا من ولدي، يقال له: محمد بن علي بن الحسين، يهب الله له النور و الحكمة، فاقرأه مني السلام.

و كان في وصية أميرالمؤمنين عليه السلام الي ولده ذكر محمد بن علي و الوصاة به، و سماه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عرفه بباقر العلم، علي ما رواه أصحاب الآثار.

و مما روي عن جابر بن عبدالله في حديث مجرد أنه قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يوشك أن تبقي حتي تلقي ولدا من الحسين، يقال له محمد، يبقر علم الدين بقرا، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام.

وروت الشيعة في خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الجنة و أعطاه فاطمة عليهاالسلام، و فيه أسماء الأئمة من بعده، فكان فيه محمد بن علي الامام بعد أبيه.

و روت فيه أيضا أن الله عزوجل أنزل الي نبيه كتابا مختوما باثني عشر خاتما و أمره أن يدفعه الي أميرالمؤمنين عليه السلام، و يأمره أن يفض أول خاتم فيه، و يعمل بما تحته، ثم يدفعه بعد وفاته الي ابنه الحسن عليه السلام، و يأمره بفض الخاتم الثاني و العمل بما تحته، ثم يدفعه عند حضور وفاته الي أخيه الحسين عليه السلام و يأمره أن يفض الخاتم الثالث و يعمل بما تحته، ثم يدفعه الحسين عند وفاته الي ابنه علي بن الحسين عليه السلام و يأمره بمثل ذلك، و يدفعه علي بن الحسين عند وفاته الي ابنه محمد بن علي الأكبر و يأمره بمثل ذلك، ثم يدفعه محمد الي ولده حتي ينتهي الي آخر الائمة عليهم السلام أجمعين.

و رووا أيضا نصوصا كثيرة عليه بالامامة بعد أبيه عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عن أميرالمؤمنين عليه السلام، و عن الحسن و الحسين و علي بن الحسين عليهم السلام.

و قد روي الناس من فضائله و مناقبه ما يكثر به الخطاب ان أثبتناه، و فيما نذكره



[ صفحه 665]



منه كفاية فيما نقصده في معناه ان شاء الله.

عن عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، و لقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه، و قد تقدم مع خلاف في العباره.

و كان جابر بن يزيد الجعفي اذا روي عن محمد بن علي عليهماالسلام شيئا قال: حدثني وصي الأوصياء و وارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام.

و روي مخول بن ابراهيم عن قيس بن الربيع قال: سألت أبااسحاق عن المسح علي الخفين، قال: أدركت الناس يمسحون حتي لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح فنهاني عنه و قال: لم يكن علي أميرالمؤمنين عليه السلام يمسح، و كان يقول: سبق الكتاب المسح علي الخفين [3] قال أبواسحاق: فما مسحت منذ نهاني عنه، قال قيس بن الربيع: و ما مسحت أنا منذ سمعت أبااسحاق.

و عن أبي عبدالله عليه السلام ان محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أري أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتي رأيت ابنه محمد بن علي عليه السلام، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شي ء وعظك؟ قال: خرجت الي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيت محمد بن علي و كان رجلا بدينا [4] و هو متكي ء علي غلامين له أسودين أو موليين له، فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحالة في طلب الدنيا، أشهد لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بنهر [5] و قد تصبب عرقا، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، لو جاءك الموت و أنت علي هذه الحال؟ قال: فخلي عن الغلامين من يديه ثم تساند و قال: لو جاءني و الله الموت و أنا في هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك و عن الناس،



[ صفحه 666]



و انما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا علي معصية من معاصي الله، فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.

و عن معاوية بن عمار الدهني عن محمد بن علي بن الحسين عليهماالسلام في قوله جل اسمه: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) [6] قال: نحن أهل الذكر.

و قد روي أبوجعفر عليه السلام أخبار المبتدأ و أخبار الأنبياء، و كتب الناس عنه المغازي، و أثروا عنه السير و السنن، و اعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و كتبوا عنه تفسير القرآن، و روت عنه الخاصة و العامة الأخبار، و ناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء، و حفظه عن الناس كثيرا من علم الكلام.

و روي الزهري قال: حج هشام بن عبدالملك فدخل المسجد الحرام متكيا علي يد سالم مولاه، و محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في المسجد، فقال له سالم: يا أميرالمؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين، قال: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم، قال: اذهب اليه فقل له يقول لك أميرالمؤمنين: ما الذي يأكل الناس و يشربون الي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: يحشر الناس علي أرض مثل قرص نقي [7] فيها أنهار متفرقة يأكلون و يشربون حتي يفرغ من الحساب، قال: فرأي هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله أكبر اذهب اليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: هم في النار أشغل و لم يشتغلوا عن أن قالوا: (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) [8] ، فسكت هشام لا يرجع كلاما.

و روي العلماء أن عمرو بن عبيد [9] وفد علي محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك ما معني قوله تعالي: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما) [10] ما هذا الرتق و الفتق؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام:



[ صفحه 667]



كانت السماء رتقا لا تنزل القطر و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات، فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا و مضي.

ثم عاد اليه فقال له: أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالي: (و من يحلل عليه غضبي فقد هوي) [11] ما غضب الله تعالي؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: غضب الله عقابه يا عمرو من ظن أن الله يغيره شي ء فقد كفر.

و كان مع ما وصفناه به من الفضل في العلم و السؤدد و الرياسة و الامامة ظاهر الجود في الخاصة و العامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفا بالفضل و الاحسان مع كثرة عياله و توسط حاله.

يروي عن الحسن بن كثير قال: شكوت الي أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام الحاجة و جفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم و قال: استنفق هذه فاذا نفدت فاعلمني.

و عن عمرو بن دينار و عبدالله بن عبيد بن عمير أنهما قالا: ما لقينا أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام الا و حمل الينا النفقة و الصلة و الكسوة، و يقول: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني.

و عن سليمان بن قرم قال: كان أبوجعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم الي الستمائة درهم الي الألف درهم، و كان لا يمل من صلة اخوانه و قاصديه و مؤمليه و راجيه.

و روي عنه آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يقول: أشد الأعمال ثلاثة: مواساة الاخوان في المال، و انصاف الناس من نفسك، و ذكر الله تعالي علي كل حال.

قال الحسن بن صالح: سمعت أباجعفر محمد بن علي يقول: ما شيب شي ء بشي ء أحسن من حلم بعلم.

و روي عنه عليه السلام أنه سئل عن الحديث يرسله و لا يسنده؟ فقال: اذا حدثتكم بالحديث فلم أسنده، فسندي فيه أبي عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تعالي.



[ صفحه 668]



و كان عليه السلام يقول: بلية الناس علينا عظيمة، ان دعوناهم لم يستجيبوا لنا، و ان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.

و كان عليه السلام يقول: ما ينقم الناس منا أهل بيت الرحمة، و شجرة النبوة و معدن الحكمة، و موضع الملائكة، و مهبط الوحي.

و توفي عليه السلام و خلف من الولد سبعة أولاد، و كان لكل واحد من اخوته فضل و ان لم يبلغ فضله عليه السلام، لمكانه من الامامة، و رتبته عند الله في الولاية، و محله من النبي صلي الله عليه و آله و سلم في الخلافة، و كانت مدة امامته و قيامه مقام أبيه في خلافة الله تعالي علي العباد تسع عشرة سنة.


پاورقي

[1] لانتسابه الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من جهة الأب و الأم كما عرفت.

[2] و في بعض النسخ «حتي تلقي».

[3] يعني ان القرآن صرح بوجوب المسح علي الرجلين و لا خفاء في أن الخف غير الرجل فلا يجوز المسح علي الخف و حكم الله مقدم علي حكم الناس بالجواز.

[4] البدين: السمين الجسم.

[5] النهر: الزجر.

[6] النحل: 43، و الأنبياء: 7.

[7] قال الجزري: و في الحديث: يحشر الناس يوم القيامة علي أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي يعني الخبز الحواري، و هو الذي نخل مرة بعد مرة.

[8] الأعراف: 50.

[9] عمرو بن عبيد بن باب البصري المتوفي سنة 142 و قيل غير ذلك من علماء العامة و متكلمهم و كان تلميذ الحسن البصري و لهشام بن الحكم رضي الله عنه معه مناظرة لطيفة في أمر الامامة معروفة.

[10] الأنبياء: 30.

[11] طه: 81.