بازگشت

في معجزات محمد الباقر


عن عباد بن كثير البصري قال: قلت للباقر: ما حق المؤمن علي الله؟ فصرف وجهه، فسألته عنه ثلاثا، فقال: من حق المؤمن علي الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت، فنظرت و الله الي النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة، فأشار اليها قري فلم أعنك.

و منها ما روي عن أبي الصباح الكناني قال: صرت يوما الي باب محمد الباقر، فقرعت الباب، فخرجت الي وصيفة [1] ناهد، فضربت بيدي الي راس ثديها، و قلت لها: قولي لمولاك اني بالباب، فصاح من داخل الدار: أدخل لا أم لك، فدخلت فقلت: يا مولاي ما قصدت ريبة و لا أردت الا زيادة ما في نفسي، فقال: صدقت لئن ظننتم أن هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم اذن فلا فرق بيننا و بينكم، فاياك أن تعاود الي مثلها.

و منها أن حبابة الوالبية دخلت علي الباقر عليه السلام فقال الباقر لها: ما الذي أبطأ بك عني؟ فقالت: بياض عرض في مفرق رأسي شغل قلبي، قال: أرنيه، فوضع الباقر يده عليه فاذا هو أسود، ثم قال: هاتوا لها المرآة، فنظرت و قد أسود ذلك الشعر.

و منها ما روي عن أبي بصير قال: كنت مع الباقر عليه السلام في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قاعدا حدثان ما مات علي بن الحسين عليهماالسلام، اذ دخل المنصور و داود بن سليمان قبل أن أفضي الملك الي ولد العباس، و ما قعد الا داود الي الباقر، فقال: ما منع الدوانيقي أن يأتي؟ قال: فيه جفاة، قال الباقر: لا تذهب الأيام حتي يلي أمر هذا الخلق فيطأ أعناق الرجال، و يملك شرقها و غربها، و يطول عمره فيها حتي يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد قبله.

فقال داود و أخبر الدوانيقي بذلك، فأقبل اليه الدوانيقي و قال: ما منعني من الجلوس اليك الا اجلالك، فما الذي أخبرني به داود؟ قال: هو كائن، قال: و ملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم، قال: و يملك بعدي أحد من ولدي؟ قال: نعم، قال: فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا؟ قال: مدتكم أطول، و ليتلقفن هذا الملك صبيانكم و يلعبون به كما يلعبون بالكرة، هذا ما عهده الي أبي فلما ملك الدوانيقي تعجب من قول الباقر.



[ صفحه 681]



و منها ما روي عن أبي بصير قال: قلت يوما للباقر: أنتم ذرية رسول الله؟ قال: نعم، قلت: و رسول الله وارث الأنبياء كلهم؟ قال: نعم، ورث جميع علومهم، قلت: و أنتم ورثتم جميع علم رسول الله؟ قال: نعم، قلت: و أنتم تقدرون أن تحيوا الموتي و تبرئوا الأكمه و الأبرص، و تخبروا الناس بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم؟ قال: نعم باذن الله، ثم قال: أدن مني يا أبابصير، فدنوت منه، فمسح بيده علي وجهي فأبصرت السهل و الجبل و السماء و الأرض، ثم مسح بيده علي وجهي فعدت كما كنت لا أبصر شيئا، قال أبوبصير: فقال الباقر: ان أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت و حسابك علي الله، و ان كنت تحب كما كنت و ثوابك الجنة؟ فقلت: أكون كما كنت و الجنة أحب الي.

و منها ما قال جابر: كنا عند الباقر عليه السلام نحو من خمسين رجلا، اذ دخل عليه كثير النواء [2] ، و كان من المعامرة [3] ، فسلم و جلس ثم قال: ان المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك، قال: ما حرفتك؟ قال: أبيع الحنطة، قال: كذبت، قال: و ربما أبيع الشعير، قال: ليس كما قلت، بل تبيع النوا، قال: من أخبرك بهذا؟ قال: الملك الرباني يعرفني شيعتي من عدوي، و لست تموت الا تائها [4] ، قال جابر: فلما انصرفت الي الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عن كثير، فدللنا علي عجوز، فقالت: مات تائها منذ ثلاثة أيام.

و منها و قد اختصرت ألفاظها قال عاصم بن أبي حمزة: ركب الباقر عليه السلام يوما الي حائط له و أنا معه و سليمان بن خالد، فسرنا قليلا فلقينا رجلان، فقال عليه السلام: هما سارقان خذوهما، فأخذهما عبيدة فقال: استوثقوا منهما، و قال لسليمان: انطلق الي ذلك الجبل مع هذا الغلام، و اصعد رأسه تجد في أعلاه كهفا فادخله، استخرج ما فيه و حمله



[ صفحه 682]



الغلام، فهو قد سرق من رجلين، فمضي و أحضر عيبتين، فقال: صاحباهما حاضر، ثم قال عليه السلام: و عيبة أخري أيضا في الجبل و صاحبها غائب سيحضر، و استخرج عيبة أخري من موضع آخر في الكهف و عاد الي المدينة، فدخل صاحب العيبتين و قد كان ادعي علي جماعة أراد الوالي يعاقبهم، فقال الباقر عليه السلام: لا تعاقبهم وردهما الي الرجل و قطع السارقين، فقال أحدهما: لقد قطعنا بحق، فالحمدلله الذي أجري قطعي و توبتي علي يدي ابن رسول الله، فقال: لقد سبقتك يدك التي قطعت الي الجنة بعشرين سنة، فعاش بعد قطعها عشرين سنة، و بعد ثلاثة أيام حضر صاحب العيبة الاخري، فقال له الباقر عليه السلام: أخبرك بما في عيبتك؟ فيها ألف دينار لك، و ألف دينار لغيرك، و فيها من الثياب كذا و كذا، فقال: ان أخبرتني بصاحب الألف و ما اسمه و أين هو علمت أنك الامام المفترض الطاعة، قال: هو محمد بن عبدالرحمان و هو صالح كثير الصدقة و الصلاة، و هو الآن علي الباب ينتظرك، فقال الرجل و هو بربري نصراني: آمنت بالله الذي لا اله الا هو و أن محمدا عبده و رسوله، و أسلم.

و منها ما روي الحسين بن راشد قال: ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبدالله، فقال: لا تفعل، رحم الله عمي زيدا، فانه أتي أبي الباقر فقال: اني أريد الخروج علي هذا الطاغية، فقال: لا تفعل يا زيد فاني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة علي أحد من السلاطين قبل خروج السفياني الا قتل، ثم قال له: يا حسين ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار، و فيهم نزل: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات) [5] ؛ فالظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام، و المقتصد العارف بحق الامام، و السابق بالخيرات هو الامام ثم قال: يا حسين انا أهل بيت لا نخرج من الدنيا حتي نقر لكل ذي فضل بفضله.

و منها ما روي أبوبصير عن أبي جعفر أنه قال: اني لأعرف رجلا لو قام بشاطي ء البحر لعرف دواب البحر بأمهاتها و عماتها و خالاتها.

و منها أن جماعة استأذنوا علي أبي جعفر قالوا: فلما صرنا في الدهليز سمعنا اذا قراءة السريانية بصوت حسن يقرأ و يبكي حتي أبكي بعضنا، و ما نفهم مما يقول شيئا،



[ صفحه 683]



فظننا أن عنده بعض أهل الكتاب استقرأه، فلما انقطع الصوت دخلنا عليه فلم نر عنده أحدا، فقلنا له: قد سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين، قال: ذكرت مناجاة اليا النبي فأبكتني.

و منها ما روي عن عيسي بن عبدالرحمان عن أبيه قال: دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي [6] علي أبي جعفر و كان أبوعبدالله قائما عنده، فقدم اليه عنبا فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير و الصبي الصغير، و ثلاثة و أربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع فكله حبتين حبتين فانه يستحب، فقال لأبي جعفر: لأي شي ء لا تزوج أباعبدالله فقد أدرك للتزويج - و بين يديه صرة مختومة - فقال: سيجي ء نخاس من بربر ينزل دار ميمون، فأتي لذلك ما أتي، فدخلنا علي أبي جعفر فقال: ألا أخبركم عن ذلك النخاس الذي ذكرته لكم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية فأتينا النخاس فقال: قد بعت ما كان عندي الا جاريتين احداهما أمثل من الاخري، قلنا: فأخرجهما حتي ننظر اليهما، فأخرجهما فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟ قال: بسبعين دينارا، قلنا: أحسن، قال: لا أنقص من سبعين دينارا، فقلنا: نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و ما ندري ما فيها، و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية، فقال: فكوا الخاتم و زنوا، فقال النخاس: لا تفكوا فانها ان نقصت حبة من السبعين لا أبايعكم.

قال الشيخ: زنوا، ففككنا و وزنا الدنانير فاذا هي سبعون لا تزيد و لا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر و جعفر قائم عنده، فأخبرنا أباجعفر بما كان، فحمدالله ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة، قال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أم ثيب؟ قالت: بكر، قال: فكيف و لا يقع في أيدي النخاسين شي ء الا أفسدوه؟ قالت: كان يجي ء النخاس فيقعد مني فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس و اللحية، فلا يزال يلطمه حتي يقوم عني، ففعل بي مرارا و فعل



[ صفحه 684]



الشيخ مرارا، فقال: يا جعفر خذها اليك فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليهماالسلام.

و منها ما روي أبوبصير عن الصادق عليه السلام قال: كان أبي في مجلس له ذات يوم اذ أطرق رأسه في الأرض ثم رفع رأسه فقال: يا قوم كيف أنتم اذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتي يستعرضكم بالسيف ثلاثة أيام، فيقتل مقاتلتكم، و تلقون منه بلاءا لا تقدرون أن تدفعوه؟ و ذلك من قابل، فخذوا حذركم، و اعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لابد منه، فلم يلتفت أهل المدينة الي كلامه و قالوا: لايكون هذا أبدا، فلم يأخذوا حذزهم الا نفر يسير و بنوهاشم خاصة، و ذلك أنهم علموا أن كلامه هو الحق، فلما كان من قابل تحمل أبوجعفر عليه السلام بعياله و بنوهاشم، و خرجوا من المدينة، و جاء نافع بن الأزرق حتي كبس [7] المدينة فقتل مقاتلتهم و فضح نساءهم، فقال أهل المدينة: لا نرد علي أبي جعفر شيئا نسمعه منه أبدا بعد ما سمعنا و رأينا أهل بيت النبوة ينطقون بالحق (آخر ما نقلته من كتاب قطب الدين الراوندي رحمه الله تعالي).

و قال الشيخ أبوالفرج عبدالرحمان بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله في كتاب صفوة الصفوة: أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، و اسم ولده جعفر و عبدالله، و أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، و ابراهيم و علي و زينب و أم سلمة.

و عن سفيان الثوري قال: سمعت منصورا يقول: سمعت محمد بن علي يقول: الغناء و العز يجولان في قلب المؤمن، فاذا وصلا الي مكان فيه التوكل أوطناه.

و قال: ما دخل قلب امري ء شي ء من الكبر الا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو كثر.

و عن خالد بن أبي الهيثم عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: ما اغرورقت عين بمائها [8] الا حرم الله وجه صاحبها علي النار، فان سالت علي الخدين



[ صفحه 685]



لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة [9] ، و ما من شي ء الا له جزاء الا الدمعة، فان الله يكفر بها بحور الخطايا، و لو أن باكيا بكي في أمة لحرم الله تلك الامة علي النار.

و عنه عليه السلام أنه قال لابنه: يا بني اياك و الكسل و الضجر، فانهما مفتاح كل شر؛ انك ان كسلت لم تؤد حقا، و ان ضجرت لم تصبر علي حق.

و عن عروة بن عبدالله قال: سألت أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام عن حلية السيوف فقال: لا بأس به، قد حلي أبوبكر الصديق رضي الله عنه سيفه، قلت: فتقول: الصديق؟ قال: فوثب و ثبة و استقبل القبلة و قال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا و لا في الآخرة.

و عن أفلح مولاه قال: خرجت مع محمد بن علي عليهماالسلام حاجا، فلما دخل المسجد نظر الي البيت فبكي حتي علا صوته، فقلت: بأبي أنت و أمي ان الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا، قال: ويحك يا أفلح، و لم لا أبكي لعل الله أن ينظر الي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا، ثم قال: و طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده، فاذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.

و عن أبي حمزة عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام قال: ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج، و ما من شي ء أحب الي الله عزوجل من أن يسأل، و ما يدفع القضاء الا الدعاء، و ان أسرع الخير ثوابا البر، و ان أسرع الشر عقوبة البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

قال المصنف: أسند أبوجعفر عليه السلام عن جابر بن عبدالله و أبي سعيد الخدري و أبي هريرة و ابن عباس و أنس و الحسن و الحسين، و روي عن سعيد بن المسيب و غيره من التابعين، و مات في سنة سبع عشرة و مائة، و قيل: ثماني عشرة، و قيل: أربع عشرة و هو ابن ثلاث و سبعين، و قيل: ثمان و خمسين، و أوصي أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه (آخر كلام ابن الجوزي في هذا الباب).



[ صفحه 686]



و قال الآبي رحمه الله في كتابه نثر الدر: محمد بن علي الباقر عليه السلام قال يوما لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير؟ قالوا: لا، قال: فلستم اذا باخوان.

و قال لابنه جعفر عليهماالسلام: ان الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاه فيه، و خبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه، و خبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي.

و اجتمع عنده ناس من بني هاشم و غيرهم فقال: اتقوا الله شيعة آل محمد و كونوا النمرقة الوسطي [10] ؛ يرجع اليكم الغالي و يلحق بكم التالي، قالوا له: و ما الغالي؟ قال: الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا، قالوا: فما التالي؟ قال: الذي يطلب الخير فيريد به خيرا، و الله ما بيننا و بين الله قرابة و لا لنا علي الله من حجة، و لا نتقرب اليه الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته نفعته ولايتنا أهل البيت، و من كان منكم عاصيا لله يعمل بمعاصيه لم تنفعه، ويحكم لا تغتروا - ثلاثا -.

و روي أن عبدالله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر عليه السلام: بلغني أنك تفتي في المتعة؟ فقال: أحلها الله في كتابه، و سنها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عمل بها أصحابه، فقال عبدالله: فقد نهي عنها عمر، قال: فأنت علي قول صاحبك و أنا علي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال عبدالله فيسرك أن نساءك فعلن ذلك؟ قال أبوجعفر: و ما ذكر النساء هاهنا يا أنوك [11] ان الذي أحلها في كتابه و اباحها لعباده أغير منك و ممن نهي عنها تكلفا، بل يسرك أن بعض حرمك تحت حايك [12] من حاكة يثرب نكاحا؟ قال: لا، قال: فلم تحرم ما أحل الله؟ قال: لا أحرم ولكن الحايك ما هو لي بكفوء، قال: فان الله



[ صفحه 687]



ارتضي عمله و رغب فيه و زوجه حورا أفترغب عمن رغب الله فيه و تستنكف ممن هو كفؤ لحور الجنان كبرا و عتوا؟ قال: فضحك عبدالله و قال: ما أحسب صدوركم الا منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره و للناس ورقه.

و سئل لم فرض الله الصوم علي عباده؟ قال: ليجد الغني مس الجوع فيحنو علي الفقير [13] .

و قال: ان قوما عبدوا الله الله رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.

و قال أبوعثمان الجاحظ: جمع محمد صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: صلاح شأن المعاش و التعاشر مل ء مكيال؛ ثلثان فطنة و ثلث تغافل.

و هنأ رجلا بمولود فقال: أسأل الله أن يجعله خلفا معك و خلفا بعدك فان الرجل يخلف أباه في حياته و موته.

قال الحكم بن عيينة: مررنا بامرأة محرمة قد أسبلت ثوبها، قلت لها: أسفري عن وجهك، قالت: أفتاني بذلك زوجي محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام [14] .

و كان اذا رأي مبتلي أخفي الاستعاذة.

و كان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك، و لا يا سائل خذ هذا، و كان يقول: سموهم بأحسن أسمائهم.

و كان يقول: اللهم أعني علي الدنيا بالغني، و علي الآخرة بالعفو.

و قال لابنه: يا بني اذا أنعم الله عليك بنعمة فقل: الحمدلله، و اذا حزنك أمر فقل: لا حول و لا قوة الا بالله، و اذا أبطأ عنك الرزق فقل: أستغفر الله.

و قال: أدب الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم أحسن الأدب فقال: (خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين)، فلما وعي قال: (و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا).

قال أحمد بن حمدون في تذكرته: قال محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: ندعو الله فيما نحب، فاذا وقع الذي نكره لم نخالف الله فيما أحب.



[ صفحه 688]



و قال: توقي الصرعة خير من سؤال الرجعة.

و قيل له: من أعظم الناس قدرا؟ قال: من لا يري الدنيا لنفسه قدرا.

و أورد أشياء أخر قد ذكرتها قبل هذا، و ما أريد بتكرار ما أورده مكررا الا ليعلم أنه قد نقل عن غير واحد حتي كاد يبلغ التواتر، فيذعن المنكر و يعترف الجاحد و بالله المستعان.

قال الفقير الي رحمة ربه تبارك و تعالي علي بن عيسي أثابه الله تعالي: قد أوردت من أخبار سيدنا و مولانا الامام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و صفاته، و ذكرت من علائم شرفه و سماته و رقمت من دلائله و علاماته، و نبهت بجهدي علي ما خص به من شرف قبيله و شرف ذاته، فتلوت قوله تعالي: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ففيما شرحته و بينته و أوضحته غنية لمن طلب الحق و أراده، و تبينة لمن أراد الله اسعاده، فان مناقبه عليه السلام أكثر من أن يأتي الحصر عليها، و مزاياه أعلي من أن تتوجه الاحاطة بها اليها، و مفاخره اذا عددت خرت المفاخر و المحامد لديها، لأن شرفه عليه السلام تجاوز الحد و بلغ النهاية، و جلال قدره استولي علي الأمد و أدرك الغاية، و محله من العلم و العمل رفع له ألف راية، و كم له عليه السلام من علامات سؤدد و سيماء رياسة و آية سماحة و حماسة، و شرف منصب و علو نسب و فخر حسب، و طهارة أم و أب، و الأخذ من الكرم و الطهارة بأقوي سبب، لو طاول السماء لطالها، أو رام الكواكب في أوجها لنالها، أو حاكمت سيادته عند موفق لقضي لها اذا اقتسمت قداح المجد كان له معلاها، أو قسمت غنايم السمو و الرفعة كان له مرباعها و صفاياها، أو أجريت جياد السيادة كان له سابقها، أو جوريت مناقبه قصر طالبها و وني لاحقها، يقصر لسان البليغ في مضمار مآثره، و يظهر عجز الجليد عن عد مفاخره، الأصل طاهر كما عرفت، و الفرع زاهر كما وصفت، و فوق ما وصفت، ولده من بعده عليه و عليهم السلام مشكاة الأنوار و مصابيح الظلام، و عصر الأنام و منتجع العافين اذا أجدب العام، و العروة الوثقي لذوي الاعتصام، و الملجأ اذا نبذ العهد و خفر الذمام، و الموئل الذين بولايتهم و محبتهم يصح الاسلام و الملاذ اذا عرم الزمان و تنكر الأقوام، و الوزر الذين تحط بهم الأوزار و تغفر الآثام.

اللهم صل عليهم صلاة تزيدهم بها شرفا و مجدا، و توليهم بها فوق رفدك رفدا، و تثبت لهم في كل قلب ودا، و علي كل مكلف عهدا فانهم عليهم السلام عبادك الذين اقتفوا آثار نبيك و انتهجوا، و سلكوا سبيلك الذي أمرتهم به فما عرجوا، و طاب لهم



[ صفحه 689]



السري في ليل طاعتك و عبادتك فأدلجوا، لا يأخذهم فيما أمرتهم به فتور، و لا يعتريهم كلال و لا قصور، نهارهم صيام و ليلهم قيام وجودهم وافر كثير، و برهم زايد غزير، و فضلهم شايع شهير، لا يجاريهم مجار، و لا يلحق عفو سعيهم سار، و لا يماري في سؤددهم ممار، اللهم الا من سلبه الله هداية التوفيق، و أضله عن سواء الطريق، اللهم فانفعنا بحبهم، و اجعلنا من صحبهم، و احسبنا من حزبهم، و اجعل كسبنا في الدنيا و الآخرة من كسبهم و نعمنا بسلمهم كما أشقيت آخرين بحربهم، و لا تخلنا في الدنيا من موالاتهم و في الآخرة من قربهم، فبهم عليهم السلام اهتدينا اليك، و هم أدلتنا عليك، و بحبك أحببناهم، و بارشادك عرفناهم، انك عظيم الآلاء سميع الدعاء.

و قد جريت علي عادتي و مدحت مولانا الباقر عليه السلام بهذه الأبيات، و ان كانت قاصرة عن شريف قدره، غير محيطة بما يجب من حمده و شكره، وعد مناقب مجده و فخره، ولكن اذا جري القلم بكشف أمر فلا حيلة في ستره، و ما قدر مدحي في مدح من يتطامن كل شرف لشرفه، و تقر الأوائل من الأواخر بعلو قدره و قدر سلفه، و يجري مجراه و مجري أوليته شريف خلقه فمن فكر في هذه العترة الصالحة، و هداه الله بالتجارة الرابحة، و كان له نظر صائب و فكر ثاقب، قال: ما أشبه الليلة بالبارحة و الأبيات هذه:



يا راكبا يقطع جوز الفلا

علي أمون جسرة ضامر [15] .



كالحرف الا أنها في السري

تسبق رجع النظر الباصر



أسرع في الأرقال من خاضب

أعجله الركض و من طاير [16] .



آنسه بالوخد لكنها

في سيرها كالنقنق الناقر [17] .



عرج علي طيبة و انزل بها

وقف مقام الضارع الصاغر



و قبل الأرض وسف تربها

و اسجد علي ذاك الثري الطاهر



و ابلغ رسول الله خير الوري

عني في الماضي و في الغابر



سلام عبد خالص حبه

باطنه في الصدق كالظاهر





[ صفحه 690]





و عج علي أرض البقيع الذي

ترابه يجلو قذي الناظر



و بلغن عني سكانه

تحية كالمثل الساير



قوم هم الغاية في فضلهم

فالأول السابق كالآخر



هم الالي شادوا بناء العلي

بالأسمر الذابل و الباتر [18] .



و أشرقت في المجد أحسابهم

اشراق نور القمر الباهر



و بخلوا الغيث و يوم الوغي

راعوا جنان الأسد الخادر [19] .



بدا بهم نور الهدي مشرقا

و ميز البر من الفاجر



فحبهم وقف علي مؤمن

و بغضهم حتم علي الكافر



كم لي مديح فيهم شايع

و هذه تختص بالباقر



امام حق فاق في فضله

العالم من باد و من حاضر



أخلاقه الغر رياض فما

الروض غداة الصيب الماطر



ما ضر قوما غصبوا حقه

و الظلم من شنشنة الجاير [20] .



لو حكموه فقضي بينهم

أبلج مثل القمر الزاهر



فرع زكا أصلا و أصل سما

فرعا علاء الفلك الداير



جري علي سنة آبائه

جري الجواد السابق الضامر



و جاء من بعد بنوه علي

آثاره الوارد كالصادر



فخاره ينقله منجد

مصدق في النقل عن غابر



قد كثرت في الفضل أوصافه

و انما العزة للكاثر



لو صافحت راحته ميتا

عاش و لم ينقل الي قابر



حتي يقول الناس مما رأوا

يا عجبا للميت الناشر



محمد الخير استمع شاعرا

لولاكم ما كان بالشاعر



قد قصر المدح علي مجدكم

و ليس في ذلك بالقاصر



يود لو ساعده دهره

تقبيل ذاك المقبر الفاخر


پاورقي

[1] الوصيفة: الجارية دون المراهقة. و نهدت المرأة: كعب ثديها فهي ناهد و ناهدة.

[2] النواء - بفتح النون و الواو المشددة و الألف و الهمزة - نسبة الي بيع النواة عجمة التمر أي حبه و قد جرت عادة أهل المدينة بل جملة من البلاد ببيع النوي المبتل الرطب لأجل علف المواشي.

[3] كذا في المطبوع و نسخة مخطوطة و في نسختين مخطوطتين «المغايرة» و في نسخة البحار و تنقيح المقال «المغيرية» و لعله الظاهر. قال المجلسي رحمه الله في بيانه: المغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادعي أن الامامة بعد محمد بن علي بن الحسين لمحمد بن عبدالله بن الحسن و زعم أنه حي لم يمت و قال الشيخ و الكشي أن كثيرا كان من البترية و قال البرقي انة كان عاميا. (انتهي).

قلت: و قيل كان المغيرة بن سعيد يلقب بالأبتر فنسب اليه البترية من الزيدية.

[4] قال في البحار: و الظاهر أن المراد التايه الذاهب العقل، و يحتمل أن يكون المراد التحير في الدين.

[5] الفاطر: 32.

[6] كان أبوه عكاشة من الصحابة المعروفين بالفضل و العلم و كان ممن شهد بدرا. قال ابن الأثير: و أبلي فيها بلاء احسنا و انكسر في يده سيف فأعطاه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عرجونا أو عودا فعاد في يده سيفا يومئذ شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به الي أن قال: و شهد أحدا و الخندق و المشاهد كلها و بشره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه ممن يدخل الجنة بغير حساب و انه قتل في قتال أهل الردة. و لم أظفر علي اسم ابنه في كتب الرجال. و روي الكليني رحمه الله هذا الحديث في الكافي بعينه.

[7] أي هجم عليها.

[8] اغرورقت عيناه: دمعتا كانهما غرقتا في دمعهما و لم تفيضا.

[9] أرهقه الشي ء: أغشاه اياه و الحق ذلك به و عن الأزهري: الرهق اسم من الارهاق و هو أن يحمل الانسان علي ما لا يطيقه. و القتر بفتحتين جمع القترة و هي الغبرة. و عن ابن عباس في قوله تعالي (و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة) - يونس: 26 - أي لا يلحقهم سواد و قيل: غبار و لا ذلة أي هوان، و قيل: كآبة و كسوف. ذكره الطبرسي رحمه الله في كتاب مجمع البيان.

[10] النمرقة: الوسادة: و قال الطريحي: و في حديث الأئمة عليهم السلام: نحن النمرقة الوسطي بنا يلحق التالي و الينا يرجع الغالي، استعار عليه السلام لفظ النمرقة بصفة الوسطي له و لأهل بيته باعتبار كونهم أئمة العدل يستند الخلق اليهم في تدبير معاشهم و معادهم و من حق الامام العادل أن يلحق به التالي المفرط المقصر في الدين و يرجع اليه الغالي المفرط المتجاوز في طلبه حد العدل كما يستند الي النمرقة المتوسطة من علي جانبيها و مثله في حديث الشيعة كونوا النمرقة الوسطي اه.

[11] الأنوك: الأحمق.

[12] حاك الثوب: نسجه.

[13] و في بعض النسخ «الضعيف».

[14] تجب علي المرأة تغطية رأسها في الاحرام و يحرم ذلك علي الرجل لكن عليها أن تستفر عن وجهها و يجوز لها أ عليه السلام تسدل ثوبا علي وجهها فوق رأسها الي طرف أنفها. قال في المسالك: و هذا موضع وفاق و هل تعجب عليها مجافاته عن وجهها بخشبة و شبهها؟ فيه خلاف مذكور في محله.

[15] الأمون: المطية الموثقة الخلق، المأمونة الكلال و العثار. و ناقة جسرة: ماضية و قيل: طويلة ضخمة.

[16] الخاضب من النعام: الذي أكل الخضرة أو الظليم اذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه و قوادمه.

[17] الوخد: السرعة في المشي. و النقنق: الذكر من النعام.

[18] شاد البناء: رفعه، و بعير أسمر: أبيض الي الشبهة. و الذابل من الحيوان: الضامن. و الباتر: السيف القاطع.

[19] أسد خادر: مقيم في خدره و هو أجمة الأسد.

[20] الشنشنة: الخلق و الطبيعة.