بازگشت

ابو جعفر المنصور


136 - 158 ه‍. ق

هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بويع له يوم توفي السفاح [1] .

وكانت فترة حكمه طويلة من أشد الفترات عذابا بالنسبة إلي أولاد علي (ع). وهو الذي يصفه المسعودي بقوله " يثب وثوب الأسد العادي لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك غيره " [2] .

قتل أبا مسلم الخراساني الذي وطد لهم الملك وأسرف بالعلويين كما سنبينه. وكان في عهده خروج النفس الزكية في المدينة وأخيه إبراهيم في البصرة وفيما يلي نماذج من الحالة الأمنية للعلويين في حكمه: أ - في البحار " أنه لما بني المنصور الأبنية في بغداد جعل يطلب العلوية



[ صفحه 55]



طلبا شديدا ويجعل من ظفر به منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر " [3] .

ب - وفي الفصول المهمة: قال المنصور للربيع ابعث إلي جعفر بن محمد من يأتينا به سعيا قتلني الله إن لم أقتله. فلما رآه المنصور أغلظ له بالقول فقال: يا عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم تلحد في سلطنتي وتبتغ إلي الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك. الخ [4] - وعن جعفر بن محمد (ع) قال: لما رفعت إلي أبي جعفر المنصور بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسن نهرني وكلمني بكلام غليظ ثم قال لي يا جعفر قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي يسمونه النفس الزكية وما نزل به وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير. [5] .

وينقل صاحب أعيان الشيعة الرواية كالآتي: " عن أبي عبد الله (ع) قال لما قتل إبراهيم بن عبد الله المحض وحشرنا من المدينة ولم يترك فيها منا محتلم حتي قدمنا الكوفة فمكثنا فيها شهرا نتوقع فيه القتل، ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال: أين هؤلاء العلوية ادخلوا علي أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجي فدخلت إليه أنا والحسن بن زيد فقال لي أنت الذي تعلم الغيب قلت لا يعلم الغيب إلا الله قال: أنت الذي يجبي إليك الخراج، قلت إليك يجبي يا أمير المؤمنين الخراج، قال: أتدرون لم دعوتكم قلت لا، قال أردت أن أهدم رباعكم، وأروع قلوبكم، واعقر نخلكم، وأترككم في



[ صفحه 56]



السراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق... [6] ج - وعن الفضل بن عمر قال: وجه المنصور إلي الحسن بن زيد وهو واليه علي الحرمين أن أحرق علي جعفر بن محمد داره، فألقي النار في دار أبي عبد الله (ع) فأخذ النار الباب والدهليز فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطي النار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثري، أنا ابن إبراهيم الخليل (ع) [7] .

د: وعن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر أن المنصور قد كان هم بقتل أبي عبد الله (ع) غير مرة فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله. فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله. غير أنه منع الناس عنه، ومنعه من القعود للناس، واستقصي عليه أشد الاستقصاء حتي أنه كان لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك - فلا يكون علم ذلك عندهم [8] .

ه‍: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن (ع) هرب جعفر إلي ماله بالفرع فلم يزل هناك مقيما حتي قتل محمد، فلما قتل واطمأن الناس وأمنوا رجع إلي المدينة [9] .

و: أن عيسي بن موسي لما قدم المدينة لمقاتلة النفس الزكية قال جعفر بن محمد (ع): أهو هو؟ قيل من تعني يا أبا عبد الله؟ قال: المتلعب بدمائنا [10] .

ز: روي محمد بن عبد الله الإسكندري أنه قال: كنت من جملة ندماء أمير المؤمنين المنصور وخواصه، وكنت صاحب سره من بين الجميع،



[ صفحه 57]



فدخلت عليه يوما فرأيته مغتما وهو يتنفس نفسا باردا، فقلت ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين فقال لي: يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة وقد بقي سيدهم وإمامهم فقلت له من ذلك؟ قال جعفر بن محمد الصادق. [11] وكشاهد علي صدق الرواية المتقدمة نذكر هنا عددا من أولاد فاطمة الذين قتلوا علي يد هذا الجلاد المعترف والخبثاء من ولده فمنهم: 1 - عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن (ع) قتل في حبس الهاشمية. 2 - الحسن المثلث بن الحسن المثني... قتل في حبس الهاشمية. 3 - إبراهيم الغمر بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي (ع)... قتل في حبس الهاشمية. 4 - أبو بكر بن الحسن المثني... قتل في حبس الهاشمية. 5 - علي بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي (ع). 6 - عبد الله بن الحسن المثلث بن الحسن المثني قتله رياح أمير المدينة. 7 - علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثني... قتل في حبس الهاشمية. 8 - العباس بن الحسن المثني... قتل في حبس الهاشمية. 9 - إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي (ع). 10 - محمد بن إبراهيم بن الحسن المثني. بني عليه جدار وهو حي. 11 - محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثني قتل في المدينة. 12 - علي بن محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض... قتل بمصر. 13 - عبد الله الأشتر بن محمد النفس بن عبد الله المحض قتل في السند



[ صفحه 58]



14 - إبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثني.. قتل في باخمري. 15 - علي بن الحسن بن زيد بن الحسن المجتبي (ع)... قتل بالسياط في حبس الهاشمية. 16 - موسي الجون بن عبد الله المحض.. قتل بالسياط في حبس الهاشمية 17 - علي بن العباس بن الحسن المثلث بن الحسن المثني... 18 - الحسين ذو الدمعة بن زيد الشهيد... 19 - عبيد الله بن الحسين الأصغر بن زين العابدين (ع) دس إليه أبو مسلم السم فمات ودفن بمرو. 20 - عبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين (ع) قتله جعفر بن خالد البرمكي أيام هارون. 21 - إدريس بن عبد الله المحض... قتل بالسم في المغرب. 22 - يحيي بن عبد الله المحض... حبس ببغداد وقتل جوعا وعطشا. 23 - الحسن بن محمد النفس الزكية... مات بالحبس في اليمن. 24 - داود بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي (ع). 25 - الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثني... قتل بفخ هؤلاء ثلة من مشاهير بني علي بن أبي طالب (ع) الذين عرفوا بالاسم جئنا علي ذكرهم مثلا والله أعلم بعدة من لم نذكرهم ممن قتلهم المنصور. أما كيف تعامل المنصور مع العلويين فذاك ما نستطيع استظهاره من تعامله مع عبد الله المحض بن الحسن المثني ومن ألقي القبض عليه معه من قول أبي الفرج الإصفهاني فعن سجنه يقول " حبسهم أبو



[ صفحه 59]



جعفر في محبس ستين ليله ما يدرون بالليل ولا بالنهار ولا يعرفون وقت الصلاة إلا بتسبيح علي بن الحسن " [12] ، وعن كيفية أخذهم يقول: " خرج رياح ببني حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو إلي الربذة فلما صاروا بقصر نفيس علي ثلاثة أميال من المدينة دعا بالحدادين والقيود والأغلال فألقي كل رجل منهم في كبل وغل " [13] .

وجرد المنصور بالربذة محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان - أخو عبد الله المحض لأمه - فضربه ألف سوط وسأله عن ابني أخيه محمد وإبراهيم، فأنكر أن يعرف مكانهما... وأوهن القوم بالجهد فحملوا علي المحامل المكشوفة فمر بهم المنصور في قبته علي الحجازة فصاح به عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بكم يوم بدر.. فصيرهم إلي الكوفة وحبسوا في سرداب تحت الأرض لا يفرقون بين ضياء النهار وسواد الليل وخلي منهم سليمان وعبد الله ابني داود بن الحسن المثني وموسي بن عبد الله بن الحسن، والحسن بن جعفر وحبس الآخرين حتي ماتوا. وذلك علي شاطئ الفرات بالقرب من قنطرة الكوفة... وكانوا يتوضؤون في مواضعهم فاشتدت عليهم الرائحة فاحتال بعض مواليهم حتي أدخل إليهم شيئا من الغالية فكانوا يدفعون بشمها تلك الروائح المنتنة. وكان الورم يبدو في أقدامهم فلا يزال يرتفع حتي يبلغ الفؤاد فيموت صاحبه [14] .

وذكران المنصور قال يوما لجلسائه بعد قتل محمد وإبراهيم: تالله



[ صفحه 60]



ما رأيت رجلا أنصح من الحجاج لبني مروان. فقام المسيب بن زهير الضبي فقال: يا أمير المؤمنين ما سبقنا الحجاج بأمر تخلفنا عنه والله ما خلق الله علي جديد الأرض خلقا أعز علينا من نبينا (ص) وقد أمرتنا بقتل أولاده فأطعناك وفعلنا ذلك فهل نصحنا أم لا؟ فقال له المنصور: اجلس لا جلست [15] .

وأما أمر المدينة وأهلها في عصر المنصور فقد كان نصيبهم منه بعد قتل النفس الزكية أن أمر أبو جعفر بالبحر فأقفل علي أهل المدينة فلم يحمل إليهم من ناحية الجار شئ حتي كان المهدي فأمر بالبحر ففتح لهم وأذن في الحمل [16] .

وقبض عيسي بن موسي أموال بني حسن كلها فأجاز ذلك أبو جعفر [17] .

وقد وقع من الترويع في المدينة علي يد جند عيسي بن موسي بعد قتل محمد النفس الزكية ما لم تشهده المدينة قبلها فقد كانوا يقتحمون البيوت ويقطعون الرؤوس ويأخذونها إلي عيسي. وكان عيسي جالسا وعنده ابن أبي الكرام ومحمد بن لوط بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأتي برأس أبي الشدائد فاسترجعا وقالا: والله ما بقي من أهل المدينة أحد هذا رأس أبي الشدائد فالح بن معمر رجل من بني فزارة مكفوف [18] .

فإذا كان المكفوف لم يسلم فما بالك بغيره، وكيف نتصور وضع



[ صفحه 61]



العلويين مع هؤلاء القساة الغلاظ الشداد، الذين كشفوا بتصرفاتهم عن وجه المنصور الحقيقي وحقده وغلظته، فلئن حز أميره عيسي بن موسي رأس محمد بن عبد الله ومن تمكن منه من أهل المدينة فلقد كان المنصور نفسه له طريقته الخاصة بالفتك بأولاد الزهراء (ع). فلنسمع ما يقوله الطبري عن سيرة شخص المنصور، لما أتي - ببني الحسن إلي سجن الهاشمية قال: أتي بهم أبو جعفر فنظر إلي محمد بن إبراهيم بن حسن فقال: أنت الديباج الأصفر؟ قال نعم قال: أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك. ثم أمر بأسطوانة مبنية ففرغت ثم أدخل فيها فبني عليه وهو حي [19] .

وهذا واليه رياح بن عثمان الذي قال له المنصور حين ولاه المدينة ما وجدت لهم غيرك ولا أعلم لهم سواك فلما قدم رياح المدينة قام علي المنبر فخطب خطبة له مشهورة: يا أهل المدينة أنا الأفعي ابن الأفعي ابن عثمان ابن حيان وابن عم مسلم بن عقبة المبيد خضراكم المفني رجالكم والله لأدعها بلقعا لا ينبح فيها كلب [20] .

هذا غيض من فيض وقطرة من بحر الإرهاب الذي أحاط بأهل بيت النبوة من خيرة أبناء علي (ع) الذين لم يذعنوا لسلطان هؤلاء الفسقة الفجرة ولم يسلم من بطشهم القائم منهم بالسيف وغير القائم. ذكرناه شاهدا علي معاناة العلوية من حكام عصرهم إذ ما زال كابوس طاغوت عنهم إلا واستخلف طاغوت آخر يفوق من سبقه ظلما. وجدير بنا أن نذكر شهادة لا شك في صدقها كتبت بعد فترة من هذه الأحداث



[ صفحه 62]



تنبئ عن واقع ما عاناه أهل هذا البيت من الاضطهاد. والشهادة هذه من سيد من سادات بني هاشم، وإمام من أئمتهم، وهو الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام فإنه لما كتب المأمون العهد إليه (ع) بولاية العهد كتب عليه السلام علي ظهر العهد كلاما من جملته: " وأنا علي بن موسي الرضا بن جعفر: إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت وأمن نفوسا فزعت بل أحياها وقد تلفت... [21] .

وهذه كلمات تشير بوضوح إلي المعاناة والظلم خلال فترة حكم الخلفاء -. الذين سبقوا المأمون. وهذا هو الأخير يؤكد ما بينه الإمام فقد ذكر المفيد أنه " لما توفي محمد بن جعفر الصادق بخراسان ركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به فلما نظر إلي السرير نزل فترجل ومشي حتي دخل بين العمودين فلم يزل بينهما حتي وضع فتقدم وصلي ثم حمله حتي بلغ به القبر ثم دخل قبره فلم يزل فيه حتي بني عليه ثم خرج فقام علي القبر حتي دفن فقال له عبيد الله بن الحسين ودعا له: يا أمير المؤمنين إنك قد تعبت فلو ركبت فقال المأمون إن هذه رحم قطعت منذ مائتي سنة " [22] .

وهذه الكلمة تؤكد واقع الوضع العلوي طول الفترة السابقة والذي ذكره الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام.



[ صفحه 63]




پاورقي

[1] التنبيه والأشراف ص 295.

[2] التنبيه والأشراف ص 296.

[3] بحار الأنوار ج 47 ص 306.

[4] الفصول المهمة ص 225.

[5] الفصول المهمة ص 227.

[6] أعيان الشيعة مجلد 2 / ص 18،.

[7] المناقب ج 4 ص 236،.

[8] المناقب ج 4 ص 238.

[9] البحار ج 47 ص 5 والفصول المهمة ص 227.

[10] مقاتل الطالبيين ص 240.

[11] البحار ج 47 ص 201.

[12] مقاتل الطالبيين ص 177.

[13] مقاتل الطالبيين ص 178 - 179.

[14] مروج الذهب ج 3 ص 329.

[15] مروج الذهب ج 3 ص 228.

[16] الطبري ج 6 ص 225 حوادث سنة 145.

[17] الطبري ج 6 ص 225 حوادث سنة 145.

[18] الطبري ج 6 ص 222 حوادث سنة 145.

[19] الطبري ج 6 ص 179 حوادث سنة 144.

[20] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 374 - 375.

[21] كشف الغمة ج 3 ص 124.

[22] الإرشاد ج 2 ص 213.